رحل أمس المفكر الكبير حسن حنفى (1935-2021) الذى يعد من أشهر أساتذة الفلسفة فى مصر والوطن العربى، اهتم بالتراث وتجديده وأصدر العديد من الكتب المتعلقة بالفلسفة الإسلامية، وكان آخر كتب حسن حنفى "ذكرياته" والتى أورد فى نهايته ما يمكن القول بأنها وصيته.
يقول المفكر حسن حنفى فى نهاية الكتاب:
كنتُ أتمنَّى أن أعيش أَطولَ ولو أنى راضٍ من أنى تجاوزتُ الثمانين، كى أُعطيَ أكثر مما أعطيتُ، وأن أقوم بواجبي تجاه حقوق الشعب وواجبات الدولة وأمانة الوطن، وكنتُ أُسَرُّ في رحلاتي إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي عندما أرى أجيالًا جديدةً قَرأَتنى وهى في الثانوية حتى قبل الجامعة وأَسعدَتها رؤيتي، تُريد أن تتصوَّر معي وكأني أحد النجوم، وكأنني أحد المشايخ، ورئيس طريقةٍ صوفية. وأنا وزوجتي كذلك؛ فزوجة مولانا مثل مولانا في الاحترام والتقديس، وتُقارِن بين فكري الثوري وشخصيتي الهادئة، كيف يُعاديني المحافظون وأنا أَرُدُّ عليهم في هدوءٍ شديد وبمحبةٍ لهم وعُذرِهم، وتمنياتي أن يفتح الله عليهم، وأن يُنير عقولهم، يُحيون أوطانهم، ويُعبِّرون عن عصرهم؛ فكل إنسانٍ هو ابن وقته كما يقول الصوفية. ومع ذلك إني راضٍ تمام الرضى في هذه الثمانين عامًا. والحمد لله أنني أعطيتُ وأخذتُ، ولي أسرةٌ وأحفادٌ وأصدقاءُ ومُحبُّون. والأهم، أَثَري على الناس وفي التاريخ والذكرى الطيبة.
أتمنَّى أن أُدفَنَ بجوارِ من أحببتُ طيلة حياتي، توفيق في الاختيار وسعادة في طولِ البقاء. ولن يحزن مَن في مقبرة أبي وأمي وأخي وزوجته وشقيقتي وخالتي وحماتي وزوج أختي وعلي النجار من أقربائي؛ فالروح لا مكان لها، تتزاور بين البساتين وطريق السويس. أَتمنَّى أن تكون ضغطة الموت خفيفة؛ فقد تعِبتُ في حياتي، وأرجو ألا أَتعَب في وفاتي. وأَتمنَّى أن ألقى من كتبتُ عنهم، فشته وبرجسون، والأفغاني وإقبال. وأتمنَّى أن ألقى أساتذتي عثمان أمين وجان جيتون وطلابي، نصر حامد أبو زيد وعلي مبروك. وأتمنَّى أن أرى أولادي حازم وحاتم وزوجته وحبيبة الأسرة مروة وحنين وأحفادي، أنس وعلي وخديجة ولارا.
أَتمنَّى أن يغفر الله الذنوب، ويعفو عني، وأن آتيه بِنيَّةٍ صافية يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. أتمنَّى ألا تكون في القبر وحشة بل أُنس. أَتمنَّى أن أرى النور في الظلام، نور القلب في ظلام المكان. أتمنَّى أن أشم رائحة الورود بدلًا من رائحة الجسَد المُتحلِّل. أتمنَّى أن يكون اللقاء الأخير معك أنت دون رؤيةٍ بصرية، بل يكفي حضورك وحديثك. أتمنَّى أن تعفو عني في جميع من آذيتُهم عن غير قصد، وأعود إليك صافيًا مثل آدم ومحمد. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.