قبل نحو ثلاثين عاما أطلق الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور، كتابه الشهير "زمن الرواية"، وهو الكتاب الذى أثار الجدل والمناقشات التى ربما ما زالت تلقى بصداها حتى اللحظة، حيث يتحدث فيه عن أن هذا الزمن هو زمن الرواية، ثم يقول بأن هذا الزمن زمن الرواية وليس زمن الشعر، ثم يقول بأن هذا الزمن ليس زمن الشعر بل زمن الرواية، غير أنّها فرضية باتت تطرح نفسها، وتبحث عن إجابة.
يقدم الكتاب عبر فصوله المتتابعة معالجات غاية فى العمق والشمول والإحاطة بقضايا جوهرية تتصل بفن القص والسرد الروائى، منها على سبيل المثال تأصيل بحث نشأة النوع الروائى فى الثقافة العربية، وربطها بعدد من الإشكالات المهمة مثل الرواية والترجمة والراوية والمرأة والرواية والمدينة والرواية والتاريخ وهى جوانب غاية فى الأهمية تكاد تكون غائبة بالكلية عند أغلب أو معظم من يمارسون الكتابة الآن.
وبعد سنوات عدة، عاد إلينا الدكتور جابر عصفور بكتابه "القص في هذا الزمن" الذة يطرح فيه رؤية جديدة خالف بها رؤيته عن زمن الرواية، بحديثه عن أنّنا نعيش الآن في زمن السرد، الذي تتواجد فيه أجناس أدبية أخرى إلى جانب الرواية، مثل؛ القصة والشعر، ربما لم يلق ذلك الكتاب الاحتفاء نفسه الذي قوبلت به الأول.
ويختلف الكتاب الجديد في أنه عبارة عن استكمال ناضج لترسيخ المقولة وتدعميها بمزيد من استئناف النظر في "القص في هذا الزمان"، عبر فصوله ودراساته المتصلة المترابطة في سياقها الكلي.
وبعد أن كانت الفكرة في البداية تعبيرًا عن وضع جديد لاحظ عصفور أنه أصبح قائمًا في الأدب العربي المعاصر، أعيد خلاله ترتيب البيت، أو حلّ معه تراتب جديد بين "أنواع" هذا الأدب، ارتحلت الفكرة من حيز هذا التوصيف النقدي، الهادئ المحايد، إلى نطاق السجال الملتهب، واقترنت قراءاتها بطرائق من التأويل رأت فيها "زحزحة"، وربما "نفيا"، للنوع الأدبي الذي ظل فن العربية الأول لقرون طويلة ممتدة؛ أي الشعر.