نلقى الضوء على كتاب "مصادر الإسلامويين.. جذور الصناعة الحركيّة" دراسة المرجعيّات الفكريّة الأوليّة لتوالد وبقاء وتحولات الإسلامويين الحركيين.
يقول المركز إنه على إثر تناولنا ظاهرة الإسلام السياسى من جهة: التأسيس، والمراجعات، والتحوّرات، والتشكلات التنظيمية المحلية والدوليّة، واستراتيجيات اختطاف تمثيل المهاجرين بعد عزلهم، واستغلال خطابات الإصلاح الدينى والسياسى، يستند هذا الكتاب على تشخيص مرجعيات العقل الإرهابى عموماً والحركي خصوصاً، إذ نبهّ (التشخيص) إلى أهمية تقصى جذور الحركية الإسلاموية، في سبيل تفكيك اِلتباس الفصل المزعوم بين (الدعوي والسياسي)، وتقديم قراءة أعمق للطبقات (المعرفية أو التنظيمية)، واختبار المصادر التي تتأسس عليها الأيديولوجية المتطرفة والتنظيم المرن.
نشأت الحركات الإسلاموية متمردةً على المجتمع ونظام الإيمان فيه، ونافرةً من فكرة الدولة والمؤسسات الدينية، وحافظ الإسلامويون على مستويات خصومة متعددة مع هذه الأركان (المجتمع، تديّنه، دولته)، بررها أتباعهم بمزاعم أيديولوجية فيها: زعم معالجة التخلف عبر جماعةٍ طليعية تغير منظومة التدين؛ تسوّقها باسم: استعادة الإصلاح الديني تارةً؛ وترفعها بلافتة التثوير السياسي تارةً أخرى! وتستقوي على فكرة الدولة والقانون بأشواق إقامة الخلافة وتطبيق الشريعة، وتخلط كل ذلك في حالات المعارضة المطلقة؛ وتوظِّف الخليط لتكفير المجتمع والدولة معًا.
وفي مجالات المتاجرة المعرفية تقدم منتوجها على ثلاث حزم، الأولى تبنيها على أسسٍ تستلهم زوايا مختارة من تجربة حركات الإصلاح الديني في مسيحية القرون الوسطى، والثانية تقيّمها على أسس الجمعيات السريّة والنظريات الفاشِيّة قيميًا وتنظيميًا، والركن الأخير تبنيه سجالاتها المندفعة للرد على المفكرين والمستشرقين، لأخذ المشروعية من منافحة الآخر المناوئ.
تتقدم كل حزمة، من هذه الحزم، على غيرها حسب الحاجة، أما في المراجع الدينية الإسلامية التي اعتمدت عليها، فسؤال أصالة المصادر التي استند إليها المفكرون المؤثرون في صناعة الحركية مفتوح، ولكنّه يميل إلى الإقرار بانتزاع النصوص التأسيسية للدين عن سياق نزولها التاريخي أولاً، وسياق فهمها المجتمعي المتراكم ثانياً، إذ يلاحظ الكتاب تولّع المنظرين المؤثرين للحركية، بإعادة تفسير القرآن تفسيرًا حركيًا يتسق مع احتياجاتهم التنظيمية، وانفعالاتهم السلوكية، لا سيما مَن تأثر بسيد قطب (1906-1966) وأبي الأعلى المودودي (1903-1979).
بدأت فاتحة دراسات الكتاب بتحليل الاحتيال الدلالي في خطابات جماعات الإسلام السياسي، فرصدت المفاهيم الحركية الأساسية وتأويلاتها المعاصرة في كتابات الإسلامويين، وانحرافها عن مجالها الدلالي الأساسي، سواء في المجال الحركي، بدايةً من الحاكمية والجهاد والجاهلية، أو المعرفي كما يتبدى في مصطلحات الاجتهاد والتجديد، أو القانونية النظامية كما في فكرة الشريعة.
تتبعت دراسة فكرة "اختطاف الوحي" واحتكار الإسلاموية لتفسيره بزعم مكافحة التخلف، ومزجه بفهم منتقى للحضارة والتجربة الغربية. الاحتيال التشريعي، ستلاحقه دراسة تطرقت إلى النقلة التي أحدثها تفسير قطب لآيات سورة المائدة التي تناولت الحكم بما أنزل الله، ونزعها من سياقها التراثي القضائي؛ إلى سياق تكفيري عقائدي يكفرِّ عموم المسلمين، بلغةٍ ثورية!
عمد الكتاب إلى تحليل جذور اللغة الثورية الساخطة، واختبر فرضية انطلاقها من مدرسة جمال الدين الأفغاني (1838-1897)، بوصفه الشخصية الأوليّة، أو أستاذ الطبقة الأولى؛ ولدراسة أثره، بدأت دراسته بالمؤثرات التي قلّدتها نظرياته؛ فتتبعت محاولاته إسقاط خصومته مع الأزهر الشريف، على أنها تشبه خصومة الجماعات البروتستانتية مع الكنيسة الكاثوليكية. تولّد عن تجربته أمران: الأول: أولوية النص التأسيسي على ما عداه من تجارب عملية وعلمية للمسلمين، والثاني: التركيز على دور الإيمان في إلزام المؤمنين بالعمل بمقتضاه، مما أتاح لتلاميذه المزايدة على مقياسهم لتلازم الإيمان والمشروعية معًا.