نشر الروائى الأردنى الفائز مؤخرا بجائزة البوكر العربية، جلال برجس، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" نصا سرديا يتذكر فيه سنوات الطفولة وشقاوة لا تخلو منها نفس طفل يرنو إلى المغامرة فيصعد الجبال ويتجاوز السفوح ظنا أنه سيمسك منها نهاية العالم فكتب يقول:
"في صغري، وحينما كان العالم كجناحي حمامة بيضاء ترفرف في سماء مخيلتي، هبطتُ سفح قريتي( حَنِيْنَا)، ثم رحت أصعدُ جبلاً آخر، كنت أعتقد أن الشمس تتوارى وراءه لصالح الليل، الذي حينما يأتي يُجبر حتى الحجارة على السكون، ويدلق في البيوت التي لا يبان منها سوى إنارات الفوانيس الشاحبة، ضوءَ سكينة لا تعرفها مُدن هذا القرن المتخم بالحرب والعويل والكراهية. وحينما صعدت ذلك الجبل الذي يختنق بالاسمنت الآن، وما رأيت الشمس هناك، اعتقدت أنها تختبىء خلف جبل آخر يرقد في الأفق المضمخ بالشواظ الأحمر، كأن أحصنة من دم تعدو عدوها الأخير. يومها مشيت غارساً في تيهي الأول، أطارد قرصاً ذهبياً، لا يؤمن بالنهايات، ولا يتدارى خلف شيء.
جبل وراء جبل، والشمس تنأى وتنأى ، إلى أن حل الليل على ولد ضيّع الشمس، وضيع الجهات، وراح صدى بكائه يسري مع نسمة الليل الذي كان للتو يطمئن أسرّة النوم، والرعاة، والحصادين، واللصوص، والعشاق بوأده لعيون الفضيحة. فعدت أدراجي، دليلي التيه الذي من عادته أن يقدم الصدفة في عز حاجتها، فوجدتُني أعبر الوادي، وأصعد سفح قريتي، لأجد أمي غارقة في بكاء مرير على ولد، كاد أن يبقى ميمماً خطواته نحو شمس لا تتوراى خلف شيء.
في تلك الليلة نمت وأنا أعتقد أن لا نهاية لشيء. دون أن أعي أن العمر سيمرّ لأدرك أن النهايات أخت البدايات.
الأمهات يمتن فينتهي صفق الأجنحة. الآباء يموتون فيخفت صوت الرعد. الحبيبات يغادرن، فتبهت عين اللون. الأصدقاء يتسربلون، فيجف فم البحيرة. والنهاية تستريح من انتظارها الطويل فتنتهي".