توالت السنوات، وتوالت الصراعات أيضًا فى الدولة الإسلامية، وفى سنة 102 من الهجرة، وصل الصراع بين يزيد بن عبد الملك بن مروان وبين يزيد بن المهلب الذى كان قد انفصل بالبصرة إلى أشده، فمال الذى يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "ثم دخلت سنة ثنتين ومائة"
فيها كان اجتماع مسلمة بن عبد الملك مع يزيد بن المهلب، وذلك أن يزيد بن المهلب ركب من واسط واستخلف عليها ابنه معاوية، وسار هو فى جيش، وبين يديه أخوه عبد الملك بن المهلب، حتى بلغ مكانا يقال له: العقر، وانتهى إليه مسلمة بن عبد الملك فى جنود لا قبل ليزيد بها، وقد التقت المقدمتان أولا فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزم أهل البصرة أهل الشام، ثم تذامر أهل الشام فحملوا على أهل البصرة فهزموهم وقتلوا منهم جماعة من الشجعان منهم: المنتوف، وكان شجاعا مشهورا، وكان من موالى بكر بن وائل.
ولما اقترب مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد من جيش يزيد بن المهلب، خطب يزيد بن المهلب الناس وحرضهم على القتال - يعنى قتال أهل الشام - وكان مع يزيد نحو من مائة ألف، وعشرين ألفا، وقد بايعوه على السمع والطاعة، وعلى كتاب الله وسنة رسوله (ﷺ)، وعلى أن لا يطأ الجنود بلادهم، وعلى أن لا تعاد عليهم سيرة الفاسق الحجاج، ومن بايعنا على ذلك قبلنا منه، ومن خالفنا قاتلناه.
وكان الحسن البصرى فى هذه الأيام يحرض الناس على الكف وترك الدخول فى الفتنة، وينهاهم أشد النهى، وذلك لما وقع من القتال الطويل العريض فى أيام ابن الأشعث، وما قتل بسبب ذلك من النفوس العديدة، وجعل الحسن يخطب الناس، ويعظهم فى ذلك، ويأمرهم بالكف، فبلغ ذلك نائب البصرة عبد الملك بن المهلب، فقام فى الناس خطيبا فأمرهم بالجد والجهاد، والنفر إلى القتال، ثم قال: ولقد بلغنى أن هذا الشيخ الضال المرائى - ولم يسمه - يثبط الناس، أما والله ليكفن عن ذلك أو لأفعلن ولأفعلن، وتوعد الحسن، فلما بلغ الحسن قوله قال: أما والله ما أكره أن يكرمنى الله بهوانه، فسلمه الله منه حتى زالت دولتهم، وذلك أن الجيوش لما تواجهت تبارز الناس قليلا، ولم ينشب الحرب شديدا حتى فر أهل العراق سريعا، وبلغهم أن الجسر الذى جاؤوا عليه حرق، فانهزموا، فقال يزيد بن المهلب: ما بال الناس؟ ولم يكن من الأمر ما يفرّ من مثله، فقيل له: إنه بلغهم أن الجسر الذى جاؤوا عليه قد حرق. فقال: قبحهم الله، ثم رام أن يرد المنهزمين فلم يمكنه، فثبت فى عصابة من أصحابه، وجعل بعضهم يتسللون منه حتى بقى فى شرذمة قليلة، وهو مع ذلك يسير قدما لا يمر بخيل إلا هزمهم، وأهل الشام يتجاورون عنه يمينا وشمالا، وقد قتل أخوه حبيب بن المهلب، فازداد حنقا وغيظا، وهو على فرس له أشهب، ثم قصد نحو مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره، فلما واجهه حملت عليه خيول الشام فقتلوه، وقتلوا معه أخاه محمد بن المهلب، وقتلوا السميذع، وكان من الشجعان، وكان الذى قتل يزيد بن المهلب رجل يقال له: القجل بن عياش، فقتل إلى جانب يزيد بن المهلب، وجاؤوا برأس يزيد إلى مسلمة بن عبد الملك، فأرسله مع خالد بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط إلى أخيه أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك، واستحوذ مسلمة على ما فى معسكر يزيد بن المهلب، وأسر منهم نحوا من ثلاثمائة، فبعث بهم إلى الكوفة، وبعث إلى أخيه فيهم، فجاء كتابه بقتلهم، فسار مسلمة فنزل الحيرة.
ولما انتهت هزيمة ابن المهلب إلى ابنه معاوية وهو بواسط، عمد إلى نحو من ثلاثين أسيرا فى يده فقتلهم، منهم نائب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، عدى بن أرطاة رحمه الله وابنه، ومالك وعبد الملك ابنا مسمع، وجماعة من الأشراف، ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه الخزائن من الأموال، وجاء معه عمه المفضل بن المهلب إليه، فاجتمع آل المهلب بالبصرة فأعدوا السفن وتجهزوا أتم الجهاز واستعدوا للهرب، فساروا بعيالهم وأثقالهم، حتى أتوا جبال كرمان فنزلوها، واجتمع عليهم جماعة ممن فل من الجيش الذى كان مع يزيد بن المهلب، وقد أمروا عليهم المفضل بن المهلب، فأرسل مسلمة جيشا عليهم هلال بن ماجور المحاربى فى طلب آل المهلب، ويقال: إنهم أمروا عليهم رجلا يقال له: مدرك بن ضب الكلبي، فلحقهم بجبال كرمان، فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا، فقتل جماعة من أصحاب المفضل وأسر جماعة من أشرافهم وأنهزم بقيتهم، ثم لحلقوا المفضل فقتلوه، وحمل رأسه إلى مسلمة بن عبد الملك، وأقبل جماعة من أصحاب يزيد بن المهلب فأخذوا لهم أمانا من أمير الشام، منهم: مالك بن إبراهيم بن الأشتر النخعي، ثم أرسلوا بالأثقال والأموال والنساء والذرية فوردت على مسلمة بن عبد الملك، ومعهم رأس المفضل، ورأس عبد الملك بن المهلب، فبعث مسلمة بالرؤوس وتسعة من الصبيان الحسان إلى أخيه يزيد، فأمر بضرب أعناق أولئك، ونصبت رؤوسهم بدمشق، ثم أرسلها إلى حلب فنصبت بها، وحلف مسلمة بن عبد الملك ليبيعن ذرارى آل المهلب، فاشتراهم بعض الأمراء إبرارا لقسمه بمائة ألف، فأعتقهم وخلى سبيلهم، ولم يأخذ مسلمة من ذلك الأمير شيئا.