انطلقت فعاليات "قمة المكتبات الوطنية" التى تستضيفها هيئة الشارقة للكتاب فى مقرها بالإمارة، بمشاركة 50 خبيراً من 20 مكتبة وطنية من أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا والشرق الأوسط، وتستمر على مدى يومين، تحت شعار "الحضور، التفاعل، التأثير، والتعاون"، بالتزامن مع فعاليات الدورة الأربعين لمعرض الشارقة الدولى للكتاب.
وشهد افتتاح أعمال القمة، أحمد بن ركاض العامرى، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، والدكتورة كارلا هايدن، رئيسة مكتبة الكونجرس الأمريكية، مارى دى لوبير، مديرة مجموعات المكتبات فى فرنسا، وحسن السريحى، رئيس الاتحاد العربى للمكتبات والمعلومات، وعدد من أمناء المكتبات العرب والأجانب.
وقال أحمد بن ركاض العامرى، إن المكتبات شكلت واحدة من مرتكزات مشروع الشارقة الثقافى، منذ تأسيس أول مكتبة فى الإمارة باسم المكتبة القاسمية فى العام 1925، وظلت تتنامى حتى صار اليوم لكل مدينة من مدن الشارقة مكتبة عامة، بفضل توجيهات ورعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وإيمانه بأن المعرفة أصل التطور والحضارة.
وقال رئيس هيئة الشارقة للكتاب، إن تطوير المكتبات الوطنية والحفاظ على هويتها ودورها، يمكن تحقيقه فى مسارين متلازمين، الأول استعادة المكانة الاجتماعية للمكتبة، وهذا من خلال التخطيط للفعاليات واللقاءات لإحياء المناسبات الثقافية والوطنية والاجتماعية أيضاً فى حدائقها ومبانيها، إلى جانب المزيد من الاهتمام بأن تكون منبراً للثقافة والمثقفين والفنانين من شعراء وأدباء ورواة الحكايات الشعبية، أما المسار الثانى فهو العمل على توظيف التقنيات الحديثة فى الأرشفة والتنظيم والإدارة والترويج للعناوين بين القراء، ومشاركة البيانات بين المكتبات الوطنية، فقد أصبح علم البيانات اليوم علماً هاماً، تستند عليه ممارساتنا وأعمالنا لتحقق النجاح".
وشهدت فعاليات اليوم الأول جلستان أدارهما مايكل دولينج، الأولى بعنوان "ظهور المكتبة الوطنية فى المجتمع"، وشارك فيها كل من: مارى دى لوبير، مديرة مجموعات المكتبات فى فرنسا، ونصّار صالح أبو لبقة، وغدير العجمى من مكتبة الكويت الوطنية.
وخلال مشاركتها أكدت مارى دى لوبير أن التحدى الذى يواجه المسئولين عن المكتبات على مستوى العالم، يتمثل فى إعادة القراء إلى قاعات المطالعة فى المكتبات، وتحدثت حول الجهود التى بذلتها المكتبات العامة فى فرنسا خلال فترة الجائحة، وما وفرته من بدائل رقمية لخدمة القراء والباحثين، من خلال إتاحة موارد المكتبات عبر الإنترنت، فى ظل الإغلاق الذى تسبب فى حرمان الجمهور من زيارة المكتبات.
وتناول نصار صالح وغدير العجمى الخدمات والتسهيلات التى قدمتها مكتبة الكويت الوطنية للجمهور خلال الجائحة، ومن ضمنها إتاحة استخدام الفهرس الآلى الالكتروني، وإتاحة الوصول غير المشروط لمحتوى المكتبة الرقمية، وإطلاق مبادرة تمكين الوصول إلى الكتب المدفوعة مجانا بالتعاون مع الناشرين، وعرض المشاركان نبذة عن أقسام المكتبة ومساهماتها فى الملتقيات الفكرية والاجتماعية فى الكويت.
وعقب استراحة تلت الجلسة الأولى، اجتمع المشاركون فى القمة فى حوار مفتوح تناول الإشكاليات المستقبلية التى تواجه المكتبات الوطنية فى العالم، وخاصة فى مجال ابتكار حلول للتعارض بين إتاحة المحتوى الرقمى للجمهور من جهة وبين حماية حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين والناشرين من جهة أخرى.
وفى الجلسة الثانية التى حملت عنوان "نظرة عامة على إشراك المستخدمين الرقميين"، تحدثت الدكتورة كارلا هايدن رئيسة مكتبة الكونغرس الأمريكية حول دور الجائحة العالمية فى تسريع عملية الرقمنة فى مكتبة الكونغرس، التى تضم أكثر من 100 مليون كتاب، إلى جانب ملايين الوثائق.
وعرضت الدكتورة هايدن البوابة الرقمية الجديدة للمكتبة على الإنترنت، وقالت إن البوابة جذبت 170 مليون زائر بمعدل زيادة وصل إلى 50% مقارنة بالعام السابق، كشفت عن رغبة القراء فى الاطلاع على المزيد من مخزون المكتبة التى شرعت فى تطوير استراتيجية رقمية للمستقبل تستخدم التقنية بفاعلية لتجسير الفجوة بين المناطق، وعدم الاكتفاء بقراءة أرشيف الماضى فقط، بل الانطلاق نحو المستقبل بوسائله الجديدة".
وأضافت هايدن أن مكتبة الكونجرس الأمريكية أطلقت عبر مختبراتها مبادرات مبتكرة لم يكن رواد المكتبات يفكرون بها من قبل، حيث أطلقت برنامجاً بعنوان "من الناس" لإشراك المتطوعين فى رقمنة وثائق لم يسبق للجمهور الاطلاع عليها، من بينها رسائل ووثائق من عهد الرئيس الإمريكى إبراهام لينكولن، وحوالى 620 صفحة مخطوطة للشاعر الأمريكى والت ويتمان (1819 - 1892) وعند إطلاع الجمهور عليها ظهر الفارق بين الأجيال من حيث القدرة على قراءة النصوص القديمة التى باتت فى حكم المخطوطات.
وقالت هايدن إن المكتبات الوطنية لن تعود إلى الخلف وأن الجائحة كانت فرصة لدفع العاملين فيها نحو وضع استراتيجيات تقود التحول الرقمى فيها بأسرع مما تم التخطيط له قبل الوباء". وكشفت عن امتلاك مكتبة الكونغريس محتويات بأكثر من 70 لغة، ما يتيح مجالاً للمتطوعين من مختلف الثقافات للعمل فى مجال الرقمنة وإخراج الكثير من الوثائق من الصناديق لتصبح متاحة لعامة الناس، بعد أن كانت فى السابق محل اهتمام قلة من الباحثين.
وتناولت كل من الدكتورة ساندرا كولينز، وكاثرين مك شارى فى الجلسة الختامية تجربة المكتبة الوطنية فى إيرلندا، التى تحوى إلى جانب الكتب والوثائق قسماً للصور يضم 5 مليون صورة عن إيرلندا، وبدأت بتأسيس مجموعاتها الرقمية منذ 2015، بهدف تسهيل وصول الجمهور إليها رقميًا.
وقالت كاثرين مك شارى خلال مشاركتها إن الهدف من الرقمنة هو تجاوز القيود المكانية وتقديم محتوى المكتبة وأحداثها وفعالياتها المستقبلية عبر الوسائط التى تمكن الجميع من الوصول إليها عبر الإنترنت وهم فى منازلهم.
وتبدأ فعاليات اليوم الثانى بجلسة بعنوان "التأثير على المجتمع والاستراتيجيات الوطنية"، تليها جلسة بعنوان "التعاون والشراكات بين المكتبات الوطنية"؛ كما تستضيف القمة أربع لقاءات تعريفية لإتاحة الفرصة أمام المشاركين للبحث فى أوجه التعاون وبناء الشراكات فيما بينهم.، يشار إلى أن "قمة المكتبات الوطنية" تعقد بالشراكة مع جمعية المكتبات الأمريكية، وبرعاية كل من قسم المكتبات الوطنية التابع للاتحاد الدولى لجمعيات، ومؤسسات المكتبات إفلا، والاتحاد العربى للمكتبات والمعلومات.