العديد من الرحالة والأدباء والمستشرقين الأوروبيين زاروا المحروسة، وكانت لهم حكاويهم الخاصة مع القاهرة، دون بعضهم هذه الحكايات فى كتابات وإصدارات مختلفة من بينها كتاب الروائى والشاعر والناقد الفرنسى تيوفيل جوتييه "رحلة إلى مصر"، ترجمها عن الفرنسية الكاتب والمترجم المغربى محمد بنعبود، وراجع الترجمة ونقحها وقدم لها الشاعر والأكاديمى العراقى المقيم فى باريس كاظم جهاد.
كما ينبغى القول إن أعمال جوتييه الخياليّة عن الشرق من "رواية المومياء" إلى العديد من أشعاره وقصصه، تحتفظ مع رحلاته ومقالاته المكرسة للشرق بأواصر مشتركة عديدة، ففى النصوص الإبداعية نجد أفكاراً وافرة عن الشرق وتحليلات رصينة لتاريخه وثقافته، وفى الرحلات والمقالات هناك هذه القدرة العالية على إنجاز الوصف الحى واللوحة البالغة الدقة والمشهد الباذخ التفاصيل والسرد البارع للقاءات والمعاينات، هذا كله الذى يشف عن حرص الكاتب على زج قارئه فى العالم الذى يصف، وفى صميم قراءته لهذا المشهد أو العمل الفنّى أو ذاك.
ولد تيوفيل جوتييه Théophile Gautier فى مدينة تارب Tarbes الفرنسيّة وانتقل مع عائلته إلى باريس فى 1818، وفى المدرسة تعرّف على الشاعر جيرار دو نرفال وتوطّدت عُرى صداقتهما وتحمّسا معاً لدراسة الشّعراء اللّاتين وآداب اللّغة الفرنسيّة، وبدآ فيما بعد يرتادان الأوساط الأدبيّة، ثمّ تعرّف على فيكتور هوجو الذى جعله يعى موهبته كاتباً هو الذى كان مصمّماً على أن يصبح رسّاماً، وما هى إلّا سنوات قليلة حتّى صار جوتييه نفسه، بأشعاره وسرديّاته ومقالاته، أحد أعمدة الرومنطيقيّة الفرنسيّة، بيد أنّه اعتباراً من 1850 قرّر الابتعاد عن هذه الحركة مستاءً من مغالاتها الشّعوريّة، وأطلق نظريّته فى "الفنّ من أجل الفنّ"، وسرعان ما صار رائد تيّار البرناس الشعرى، وهو نوع من رومنطيقيّة مُحدَثة أُعجب بها رامبو ثمّ انتقدها فيما بعد، برع جوتييه أيضاً فى كتابة الرواية وقصص الرحلات، وفى نقد الفنّ بكلّ صنوفه، الرّسم والنّحت والموسيقى والمسرح، وقد شهد له سابقوه وأقرانه بالألمعيّة، فافتتح بودلير مجموعته الشعريّة الأساسيّة أزهار الشّرّ بإهداء المجموعة كلّها إلى جوتييه، ورثاه بعد وفاته كلّ من هوجو ومالارميه، وكان بين أصدقائه، إلى جانب هؤلاء الشعراء، الرّوائيّان جوستاف فلوبير وألكسندر دوما الابن.