تمر اليوم الذكرى الـ128، على رحيل على باشا مبارك، رائد النهضة العمرانية فى القاهرة الخديوية فى القرن التاسع عشر، إذ رحل فى 14 نوفمبر عام 1893م، عن عمر يناهز 70 عامًا، وهو واحد من رواد العمران المصرى، اقترن اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملي للنهضة والعمران، وتعددت إسهاماته فيها.
وكان لصاحب "الخطط التوفيقية" الفضل فى النهضة العلمية والمعمارية الحضارية التى شهدتها مدينة القاهرة خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر، فى عهد الخديوى إسماعيل، حيث أسند إليه قيادة مشروعه المعماري العمراني، بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث: بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيًا حتى الآن في وسط القاهرة، شاهدا على براعة علي مبارك وحسن تخطيطه.
وبحسب كتاب "تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الثانى)" لـ جرجى زيدان، فإن أعمال الراحل مما يتعلق بديوان الأشغال فكثيرة، منها تنظيم شوارع القاهرة وتوسيعها كما هي الآن، ومن الشوارع التي فُتحت على يده شارع محمد علي وميدانه، وشوارع الأزبكية وميدانها، وما يحيط بعابدين من الشوارع ونحوها، وباب اللوق، وكانت جهات الفجالة والإسماعيلية تلالًا وآكامًا قذرة فأنعم بها الخديوي الأسبق على الناس فمهدوها، وبنوا فيها القصور والحدائق حتى صارت كما نراها الآن.
وفي عهده بُنى كوبري قصر النيل الباذخ المتين، وتنظَّمت الجزيرة، وأنشئت فيها الشوارع المحفوفة بالأشجار، وجلبت المياه إلى القاهرة بواسطة الشركة، وأُنشئ كثيرٌ من الجسور والترع في جهات القُطر؛ كترعة الإبراهيمية والإسماعيلية، وفي عهد تولِّيه الأشغال أيضًا تم فتح قنال السويس رسميًّا، ودُعي الملوك لحضور الاحتفال بذلك، فكانت الأعمال اللازمة للقيام بمعدات ذلك الاحتفال منوطة به، فأُهدي إليه بعد الاحتفال نيشان غران كوردون من النمسا، ونيشان كوماندور من فرنسا، والغران كوردون من بروسيا.
وبحسب كتاب "شعب وميدان ومدينة: العمران والثورة والمجتمع القصة الإنسانية والمعمارية" للدكتور على عبد الرؤوف، فإن على باشا مبارك كان بمثابة الذراع اليمنى للخديوى إسماعيل، فأسند إليه الأخير مهمة مشروع متكامل لتطوير القاهرة، حيث خصصت مساحة 359 فدانا، كان تعرف بالمنطقة الإسماعيلية، وهى المعروفة حاليا بمنطقة وسط البلد، وأنشى فيها ميدان التحرير، وذلك فى إطار خطة الخديوى لبناء قاهرة جديدة، تتجاوز أسوار القاهرة العتيقة، تستلهم ملامحها التخطيطية والعمرانية والمعمارية من النموذج الباريسى الذى صممه المخطط هاوسمان (1809- 1891).
ويوضح الأديب الراحل مكاوى سعيد فى كتابه "القاهرة ومافيها حكايات، أمكنة، أزمنة" أن على باشا مبارك، قام بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المبانى والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاتها بالغاز، ولايزال هذا التخطيط باقيا فى وسط القاهرة، وأدار أيضا ديوان الأشغال العمومية والسكك الحديدية، ونظارة الأوقاف.
وبحسب عدد من الباحثين، بدأ على مبارك تخطيطه بإنشاء أحياء الإسماعيلية والأزبكية، ورغم المحاولات السابقة لإعمار هذه المنطقة إلا أن الخديو إسماعيل يعد المؤسس الحقيقي لها بمحاولاته في نقل تجارب وخبرات المعماريين الفرنسيين لتضم قاهرته الجديدة منشآت ثقافية وخدمية وترفيهية ومتاحف وقصور وتتسع رقعتها السكنية لـ 750 ألف نسمة