هل أجاز القرآن ضرب الرجل لزوجته؟.. يستند الإسلاميون فى جواز ضرب الرجل للمرأة إلى الآية 34 من سورة النساء "وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، ومع تقدم الزمن يحاول المفسرون تخفيف الصدمة الحضارية بالإشارة إلى أن الضرب المذكور مشروط بألا يكون مبرحًا، وألا يتجاوز الضرب اليسير!! ومع إيمانى بأن الضرب جريمة إنسانية، وإجراء يستوجب العقاب القانونى أيًا كانت درجة قرابة فاعلة، فإن مناقشة الآية وبمعطيات التحليل اللغوى وأدوات فهم القرآن "أمر مهم".
بالرجوع إلى السنة النبوية، فإننا نجد خلوها من أى إشارة لحث الرسول (ص) أو موافقته أو قبوله أو صمته على مسألة ضرب الرجال لنسائهن، فهو شخصيًا لم يُعرف عنه نهائيًا أنه استخدم القوة البدنية تجاه نسائه، فضلًا عن الأحاديث الواردة فى هذا الشأن جميعها تستنكر الضرب كأداة تعامل بين الرجل والمرأة، بل تصل حد النهى عن ذلك، كما فى الحديث المروى عن "إياس بن عبد الله بن أبى ذباب" والقائل بـ"لاَ تَضْربُوا إِمَاءَ اللَّهِ"، وفى كتب البخارى ومسلم وابن حبان والبيهقى حديث "أَيَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِى آخِرِ الْيَوْمِ"، وبصيغة أخرى عن السيدة عائشة "أما يستحى أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد، يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره"، أما حديث "لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ" فقد ضعفه أحمد شاكر والألبانى، وسنده ضعيف بسبب عبد الرحمن المسلمى الذى قال عنه شمس الدين الذهبى: غير معروف، ونقل ابن حجر فى "تهذيب التهذيب" عن أبى الفتح الأزدى إيراده له فى "الضعفاء"، ناهيك عن التعارض مع الأحاديث التى سبق أن أوردناها.
واضح هنا استنكار ونهى الرسول عن اللجوء إلى "الضرب".. طيب.. هل تخالف السُنة النبوية النصَ القرآنى؟ بالتأكيد لا، وبالعكس يجب أن تتكامل السُنة الصحيحة مع القرآن ولا تخالفه، إذن أين يكمن الخطأ؟ فى رأيى يكمن فى تفسيرنا للآية، يا عم ما الآية واضحة "واضربوهن"، وعلشان خاطر اللى ببيقول واضحة، تعالوا نتكلم فى مسألة مهمة للغاية.
عملية فهم القرآن، كما تتطلب بعض الأدوات والمناهج العلمية، تتطلب معرفة دقيقة بمدارس التفسير نفسها، فكل مدرسة لها أدواتها، وهناك من يفسر القرآن بالقرآن، أو يفسره بالسُنة النبوية، أو يفسره بالاجتهاد بالرأى، كذلك هناك مدرسة تُعرف بالتفسير اللغوى للقرآن، وهى التى تعنينا هنا، ويُقصد بالتفسير اللغوى "بيان معانى القرآن بما ورد فى لغة العرب" أى أن معرفة اللغة شرط مهم، وهى مدرسة قديمة جدًا اعتمد عليها أغلب الصحابة والتابعين فى فهم الكتاب، وكانت نتيجتها كتب عديدة فى التفسير، ومعانى القرآن، وغريب القرآن وغيرها.. والإلمام باللغة لا يقتصر على قواعد نحو وصرف ومفردات، بل يشمل أيضًا فهم دلالات كل مفردة، الاصطلاحات، التراكيب، النظم، إلخ. خلينا مع عبارة "دلالات كل مفردة" ونتوقف مع كلمة "واضربوهن" وجذرها "ضرب"، يعنى إيه ضرب؟ يعنى مد إيده. طيب تعال نشوف المعاجم العربية بتقول إيه عن معنى ضرب؟، نكتشف معان عديدة وكثيرة جدًا تصل حد التضاد، وهى سمة موجودة باللغة العربية، وبالتالى فعل "ضرب" من أفعال التضاد، أى التى تحمل المعنى وضده.
طيب إيه هى المعانى الكتيرة لـ"ضرب"؟ شوف يا سيدى : ضرب الأرض "سافر ورحل"، وضرب بنفسه الأرض "أقام واستقر" ومنها مضارب القوم أى خيامهم، وضرب الدراهم أى سكها، وضرب البوق أى نفخ فيه، كما أن القرآن يستخدم الكلمة بمعانى أخرى، "وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ"، "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا"، "واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"، وغيرها من المعانى، وبالمعاجم أيضًا ضرب التى تستخدم فيها اليد والعصا، كذلك "ضرب الفحلُ الناقةَ" أى نكحها.. استنى هنا.. طالما السنة النبوية استكرهت؛ بل منعت ضرب الرجل للمرأة، فإن معنى الضرب التقليدى سيسقط خلال عملية فهم الآية، نرجع للآية "وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ"، ماذا يمكن أن يفعل حال هذا الخلاف؟ "فَعِظُوهُنَّ" يعنى اتكلموا بالحسنى، لم ينته الخلاف بعد، "وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ"، المعنى الحرفى "خاصمها"، سيبلها أوضة النوم ونام بالصالون، بين أنك زعلان، وإذا استمر الخلاف "وَاضْرِبُوهُنَّ" هنا الكلمة الإشكالية، وطالما استبعدنا الضرب باليد أو بآلة، يبتقى عندنا معنيان، الأول من ضرب الأرض أى رحل، يعنى تنفصلان وترحل عنها، أو المعنى من "ضرب الفحل الناقة" أى تتودد إليها وتحاول أن تصالحها، فتشبعها عاطفيًا وجسديًا وتتصالحان!! يعنى ما يمكن فهمه من الآية هو: عند وجود خلاف أسري، على الرجل أن يعظ، يناقش، "يتقمص"، يغضب، ثم إمّا أن يرحل "يطفش ويسيب لها البيت"، وينتهى الأمر، أو أن يتودد ويعمل فيها "سومة العاشق".. أمّا أنْ يفتل عضلاته ويمد يده، فإنه -بنص الحديث النبوي- لا يستحى، ورجولته حتمًا ناقصة.