تعتنى الدولة المصرية بذوى الهمم وظهر ذلك بصورة جلية فى "قادرون باختلاف"، حيث حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، على التواجد والتواصل مع عدد من ذوى الهمم، ويدفعنا ذلك لسؤال: هل كان المصريون القدماء يهتمون بذوى الهمم؟
قال الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، إن هناك دورا كبيرا للمصرى القديم فى رعاية ذوى الهمم، وقد ترك لنا الحكيم آمون موبى وصاياه لأحفاده وأبناء وطنه بعدم التهكم على المعاق والاحتياجات الخاصة، فيقول "لا تتهكم على قزم ولا تستهزأ بأعرج ولا كفيف ولا تسخر من مجنون فإن الرب شكّل الخلق من طين وقش وقادر على أن يبدل السوى بالمعاق والمعاق بالسوى".
ونوه عبد الرحيم ريحان إلى دراسة أثرية للباحث الأثرى إسلام زغلول، أكدت أن المصرى القديم اهتم برعاية مصالح ذوى الهمم من شتى فئات المجتمع المصرى القديم، بل وكان هناك ملوك منهم، وأن القزم سنب تزوج أميرة من أميرات القصر، وهى الكاهنة سينينتس وكانت رائعة الجمال ولهما تمثال شهير فى المتحف المصرى بارتفاع ٣٤ سم تصوره جالسا متربع الرجلين بنقبة قصيرة بيضاء وبجواره زوجته تضع يديها اليمنى على كتف زوجها الأيسر، وعلى وجهها ابتسامة رضا تعبر عن رضاء المرأة وفخرها بزوجها.
وأوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن القزم سنب تقلد عدة مناصب بالقصر الملكى منها المسئول عن الملابس الملكية، ورئيس الأقزام فى القصر الملكى، وكان من مهامهم صناعة الحلى نظرًا لأناملهم الصغيرة الدقيقة التى تتحكم فى صناعة الحلى والمجوهرات بدقة متناهية ووصل إلى منصب مسئول الخزانة الملكية أى وزير المالية، وكان لا يتقلدها إلّا شخصية من أهل الثقة والمحمودين عند الملك لبراعته ومواهبه المتعددة، وكان المشرف على العناية بالملابس الملكية ودفن فى قبر فخم قرب هرم خوفو.
وأشار الدكتور عبد الرحيم ريحان إلى العازف الكفيف الذى يظهر فى معظم الحفلات فى مصر القديمة يعزف على آلة الهارب وإلى الملك سيبتاح أحد أحفاد رمسيس الثاني، وقد حكم فى أواخر الأسرة التاسعة عشر لمدة سبع سنوات وكانت إعاقته قصر فى قدمه اليسرى من أثر شلل أطفال مما جعله يعرج أثناء المشى وظهر ذلك من صوره وموميائه التى عثر عليها فى مقبرة أمنحتب الثانى عام 1898 مع 15 مومياء أخرى.
ولفت الباحث الأثرى إسلام زغلول فى بحثه إلى الملك توت عنخ أمون الذى ولد بالفلات فوت، وكان الدم لا يصل إلى قدمه مما أعاق حركة السير ووجدت فى مقبرته 134عصا مذهبة وكان يصور جالسًا وهو يصوب الرمح، وأوضح إسلام زغلول أن بردية ايبرس تشير إلى اهتمام المجتمع الطبى بمصر القديمة بمعالجة الإعاقة السمعية والأصم وبها طريقة علاج لضعف السمع، وقد عثر على فتاة من عامة الشعب بمقبرة بالفيوم التهمها تمساح وأكل ساقها وعاشت شهور وبعد موتها كرمها المحنطون بتحنيطها جيدًا ووضع ساق صناعى لها.
كما وجدت رسوم لرجل يعانى من شلل الأطفال لم تحرمه إعاقته من تدينه وتقديم القرابين للآلهة حتى ينال التبرك والرضا حسب عقيدة المصرى القديم، وكل هذا يؤكد احترام المصرى القديم لذوى الهمم، عكس حضارات أخرى مثل الرومان حيث كان الأبرص والطفل المعاق يترك فى الثلوج حتى الموت.