الشاعر والفنان التشكيلى أحمد مرسى من مواليد سنة 1930، من الكتاب والفنانين المصريين الذين سافروا إلى الخارج فى وقت مبكر، وقد ذهب إلى أمريكا 1974، واستقر فى نيويورك، وفى لوحاته نرى الخيول فى مترو الأنفاق وتعيش الكائنات الزرقاء فى أماكن يبدو أنها موجودة خارج حدود الزمان والمكان، إنها صور تجسد الشعور بالغربة.
وأجرى موقع "أرت نيوز" حوارا مؤخرا مع أحمد مرسى، ومما جاء فيه:
قلت ذات مرة إن لوحاتك تتعامل مع "حنينك إلى الوطن" كفنان مصرى المولد يعيش فى نيويورك لما يقرب من نصف قرن.. كيف تصف هذه المساحات؟
أنا شاعر وفنان من مواليد الإسكندرية، عشت فى نيويورك فترة أطول مما عشت فى أى مكان، بما فى ذلك مسقط رأسى، سواء اعتبرنا السنوات التى قضيتها فى الإسكندرية أو مصر ككل، والإسكندرية بلد شبابى وأيضًا مدينتى الأسطورية، وهى حقًا خالدة، وبالطبع ما أتحدث عنه لا يمكن أن يوجد إلا فى خيال المرء، لأننى بطريقة ما خلقتها. وأنا مقدر لى البحث عنها.
تلعب الخيول دورًا متكررًا فى العديد من أعمالك.. فى إحدى اللوحات ظهر حصان مقلوبًا رأسًا على عقب فى محطة مترو أنفاق فى نيويورك، ماذا تعنى هذه الخيول؟
يعيش كل من الحصان والثور والطيور والأسماك والشخصيات البشرية فى وئام مع المخلوقات الخيالية فى شعرى وفى لوحاتي، هل ترى أن الجميع لديهم نفس العيون ونفس نقاط الضعف؟ قد ترى فقط حصانًا، لكنى أشعر بإنسانيته، ولا أشك فى أنه يتألم ويشتاق ويحب، أشعر بإنسانيته لأنه مثلى أيضًا مغترب، على ظهره فى محطة مترو أنفاق مهجورة، كلانا يتوق إلى الشعور بالانتماء، فى الديانة المصرية القديمة، تم تمثيل العديد من الآلهة بمخلوقات ثعبان أو تمساح - لها سمات بشرية، على عكس الأساطير اليونانية والرومانية، حيث كانت الكائنات فى الغالب وحوشًا، ما تسبب فى دمار البشر. كما ترى علاقتى بمخلوقات هذا العالم والمخلوقات الخيالية متجذرة فى تاريخي.
خلال معظم حياتك المهنية بالإضافة إلى إنتاج الفن قمت بالكتابة فى أوضاع مختلفة مثل النقد والشعر والصحافة وغير ذلك.. ما هو الدور الذى لعبته الكتابة فى تطورك الفني؟
فى الصحافة، يجب أن تكون هناك موضوعية ومسافة شخصية، لكن الشعر والرسم وسائط تستخدم فى محاولة مستمرة لفهم الذات، لكن مفرداتى على الورق وعلى القماش واحدة.
مقاربتى للنقد شخصية، لذا لم أكتب مراجعات للتدريس لأننى لست مدرسًا لأحد، لذا، لكتابة النقد كفنان وشاعر، فإنه ينطوى على حاسة سادسة، إنه حميمي، وكتبت شعرى ونقدى كأننى كنت أكتب لنفسى فقط، مستخدمًا معجمًا يعتمد بشكل كبير على الصورة.
وقال ناقد فنى فى مصر ذات مرة إننى "أرسم شعرى وأكتب لوحاتى"، إنها وسائط مختلفة، لكن نفس اللغة.
كيف تصف عملية الكتابة الخاصة بك؟
أنا لا أحب المنهجية، وأفضل العمل بحرية، أنا أفضل النقاء والبراءة، ولم أكتب قط فى المنزل، وتم تأليف العديد من قصائدى الحديثة عقليًا، وعينان مغمضتان، ومحفوظة فى الذاكرة، أثناء ركوب حافلة وسط المدينة مع زوجتى، وبالطبع يتوقف التدفق بمجرد أن تلمس كتفى، وتنبهنى إلى النهوض والخروج عند محطتنا.
ما الذى جعلك ترغب فى التمسك بالشعر مرة أخرى؟
فى عام 1996 تلقيت مكالمة هاتفية من الكاتب والناقد المصرى إدوار الخراط، صديق الطفولة من الإسكندرية، أبلغنى أن الدولة تنظم حدثًا للاحتفال بعيد ميلاده السبعين، وطلب منى كتابة قصيدة، وهو يعلم جيدًا أنه قد مر 29 عامًا منذ أن كتبت قصيدتى الأخيرة، والتى كان يقرأها فى الاجتماع، لقد قمت ببعض المحاولات الفاشلة للخروج منه وقمنا بإنهاء المكالمة، ووضعت جهاز الاستقبال، وأخذت قطعة من الورق من جهاز الفاكس الذى كنت أستخدمه لإيصال تقاريرى عن أخبار الأمم المتحدة إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط ،ودخلت غرفة نومى، وأغلقت الباب، بعد فترة - لا أذكر كم من الوقت مضى - فتحت الباب وخرجت مع قصيدة لإدوار أرسلتها إليه بالفاكس. كانت هذه هى المرة الأولى منذ ما يقرب من 30 عامًا . أدركت حينها أن الشاعر لم يتركني. منذ ذلك اليوم، تدفقت الشعر مرة أخرى فى أوقات غير متوقعة وأماكن غير متوقعة، شكرا لله.
ماذا يعنى لك بيكاسو؟
بيكاسو فنان أكن له احترامًا كبيرًا ويؤثر على عمله بطريقة شخصية للغاية. الإنتاج الإبداعى الضخم وحده يستحق الرهبة. جرب العديد من الوسائط: الرسم والطباعة والسيراميك. حتى أنه كتب الشعر وصمم المسرح والأزياء. هناك الكثير من التشابه فى هذه الطريقة بيننا، النوع الذى قد تبحث عنه فى "أصدقائك" و"المعلمين" على حد سواء، على الرغم من أن شخصياتنا تختلف اختلافًا كبيرًا على المستوى الشخصي. أشعر أن هناك نوعًا من التفاهم بيننا.