لم يقدم الدكتور جابر عصفور، كتابا شاملا عن سيرته الذاتية، لكنه قدم فصولا من مسيرته فى بعض أعماله منها كتاب "بعيداً عن مصر"، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، حيث بدأ حياته الأكاديمية بين جدران كلية الآداب في جامعة القاهرة، وتتلمذ على يد أساتذة كبار بقامة الدكتور طه حسين والدكتورة سهير القلماوى.
ويمر الدكتورجابر عصفوربأزمة صحية كبيرة، حيث صرحت زوجته الدكتورة هالة فؤاد، أستاذة الفلسفة بجامعة القاهرة، أن الناقد الكبير يرقد الآن فى الرعاية المركزة وحالته غير مستقرة.
ويقول الناقد الكبير جابر عصفور عن كتابه: الكتاب ليس تسجيلا للذكريات الشخصية فحسب وإنما هو محاولة للجمع بين الذكرى الشخصية والذاكرة العلمية فى سياق لا يخلو من الإشارة السياسية، والحق أنى أردت أن أنقل إلى قارئ هذا الكتاب بعض ما تعلمته وما لاحظته على السواء وما اسعدني شخصيا وما أثراني أكاديميا.
فى هذا الكتاب، يروى الدكتور عصفور: "كنت أحلم - وأنا طالب جامعى - أن أمضى فى طريق طه حسين، فأستكمل تعليمى العالى بعيداً عن مصر، ومرت الأعوام الدراسية، وتفوقت وأصبحت معيداً في الجامعة سنة 1965، وفى قسم طه حسين، واقترب تحقيق الحلم، ولكن جاءت كارثة 1967 لتجهض الحلم، فحصلت على الماجستير سنة 1969، ولم يكن هناك مفر من استكمال الدكتوراه فى جامعة القاهرة، ووعدتنى أستاذتى سهير القلماوى بأن أذهب فى منحة دراسية إلى الولايات المتحدة لاستكمال أدواتى فى النقد الأدبى، ودراسة تيارات النقد الجديدة التى أخذنا نسمع عنها، ولذلك ذهبت إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ودرست ما يؤهلني لفهم اللغة الإنجليزية والكتابة بها، ولكن المنحة التى وعدت بها طارت، وبقي حلم السفر لا يضيع".
قيمة كتاب الدكتور عصفور هى أنك تستطيع أن تقرأ منه ملامح الفترات الزمنية التى كان يغادر فيها خارج البلاد، فهو لا يكتب عن ذاته فقط، بل عن مجمل ما يدور حوله، لذا لا يفوت مثلاً، أن يعقد مقارنة بين نظام التعليم في جامعة القاهرة وجامعة وسكنسون- ماديسون، وهنا يلفت: "كانت المسافة كبيرة بين ما تعلمته في القاهرة، وما أخذت أتعلمه بفضل إقامتي في جامعة وسكنسون - ماديسون طوال العام الدراسي 1977-1978، الذى تفتحت لى فيه آفاق من المعرفة التي لم أكن أعرف عنها شيئاً معمقاً من قبل، فأدركت هوة المسافة بين التخلف والتقدم، ومعنى أن يكون المرء حبيس مدار منغلق معرفياً، مقابل فضاء مفتوح من المعرفة التي لا تكف أدوات إنتاجها وعلاقاتها عن التجدد والتحول، لذلك لم تتوقف صدمتى بالجديد الذى حرصت على تعلمه، مقابل سخطى الذى تزايد على جمود أوضاعنا الثقافية بوجه عام، والمستوى الأكاديمى المتدنى لجامعاتنا بوجه خاص".