نلقى الضوء على كتاب "الإنسان والمقدّس" وفيه تتقاطع مسالك الفلسفة والأدب والسياسة وعلم الاجتماع، كما أنه يشكل أيضاً نقطة تحول فى تاريخ الفكر الاجتماعى خاصة فى المجتمع الفرنسى.
وفى الكتاب عكف "كايوا" على استطلاع دلالات المقدّس عبر مقارنة جريئة بين المجتمعات البدائية والمجتمعات المتطوّرة، بدافع من رغبة عريقة تحدوه إلى "دراسة الانفعالات الغامضة والملحّة" التى تسطو على قلب الإنسان، فتبهره وتأسره وتمنيه بالقلق والاضطراب، وهى عين ما أسماه فى موضع لاحق: "الدوافع العميقة للحياة الجماعية".
وإذا كان هذا الكتاب، في بعض ما ورد من فصوله استعادة لمحاضرات ومقالات سابقة، فقد عرض له المؤلّف أكثر من مرة بالشرح والإضافة والتعديل، حتى إذا تحقق من صعوبة إحتواء موضوع المقدّس أعلن عدوله عن خوض غماره والإكتفاء بإستخراج ما تيسّر من قواعده العامة، بيد أن ذلك لم يمنعه من إخضاع رهاناته السابقة للنقد، لافتاً إلى ما كانت عليه أفكاره من سذاجة وغلوّ و"كبرياء تحسم بخفّة أخطر المسائل".
لقد أشار "كايوا" إلى تنازعه بين ضرورتين هما: "إعادة المقدّس إلى المجتمع فاعلاً، ملحّاً... وإنتاج تفسير علمي، هادئ وصحيح"، فما تراها تكون طبيعة الرهان الكامن وراء نزعة التفعيل هذه؟ بل ما هو المقدّس الذي يرمي الكاتب إلى تفعيله؟.
الإنسان والمقدس هو أحد المؤلّفات الرائدة والشهيرة في علم الاجتماع الفرنسي. هو نصّ مؤسّس، بالرغم من أنّ صاحبه لم يقطع مع الإنجازات السابقة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا: إنه ينطلق مما وصلت إليه المدرسة الدوركهايمية، وخصوصاً من أبحاث مارسيل موس، فيقارنها بأبحاث كبار أعلام السوسيولوجيا الألمان والإنجليز والأمريكيين.
الإنسان والمقدس كتاب يجمع بين الفلسفة وعلم الاجتماع. إنه دراسة مبتكرة، ومرجع معرفي استثنائي، حول المقدّس الذى "يهب الحياة ويسلبها، في آن، والينبوع الذى تتدفّق منه والمصبّ الذى تضيع فيه".
ويجدر الإشارة أن مؤلف هذا الكتاب روجيه كايوا هو عالم أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا وناقد أدبى وعضو فى الأكاديمية الفرنسية.