قبل نحو ثلاثين عاما أصدر الدكتور جابر عصفور كتابه الشهير "زمن الرواية"، وهو الكتاب الذى أثار الجدل والمناقشات التى ربما ما زالت تلقى بصداها حتى اللحظة، حيث يتحدث فيه عن أن هذا الزمن هو زمن الرواية، ثم يقول إن هذا الزمن زمن الرواية وليس زمن الشعر، ثم يقول بأن هذا الزمن ليس زمن الشعر بل زمن الرواية، غير أنها فرضية باتت تطرح نفسها، وتبحث عن إجابة.
لقد رحل جابر عصفور أمس عن عمر ناهز الـ 77 عاما، بعد معاناة مع المرض، وبالعودة إلى كتاب "زمن الرواية" يقدم الكتاب عبر فصوله المتتابعة معالجات غاية فى العمق والشمول والإحاطة بقضايا جوهرية تتصل بفن القص والسرد الروائى، منها على سبيل المثال تأصيل بحث نشأة النوع الروائى فى الثقافة العربية، وربطها بعدد من الإشكالات المهمة مثل الرواية والترجمة والراوية والمرأة والرواية والمدينة والرواية والتاريخ وهى جوانب غاية فى الأهمية تكاد تكون غائبة بالكلية عند أغلب أو معظم من يمارسون الكتابة الآن.
الكتاب عند صدوره أثار جدلا واسعا في أوساط الأدباء، ورغم الجدل الكبير الذي أثاره هذا الكتاب منذ صدوره، لكن القضية الجدلية لم تحسم تماما بين أنصار كلا الفنين الإبداعيين الشعر والرواية، أو الرواية والشعر، لكن بعيدا عن الجدل هل قصد جابر عصفور فى كتابه التقليل من الأنواع الأدبية الأخرى مثل الشعر والقصة القصيرة؟
الدكتور جابر عصفور فى إحدى حواراته الصحفية رد على هذا الأمر وصرح قائلا: "عندما ألفت هذا الكتاب منذ سنوات طوال وقلت إننا نعيش زمن الرواية لم أكن أقصد إقصاء أو تجاهل كل فنون الأدب الأخرى وهذا ما اعتقده البعض على سبيل الخطأ، فما كنت أقصده في هذا الكتاب ـ ومازلت مصرا عليه حتى الآن هو أنه بحكم الزمن أو العصر الذي نعيش فيه تغيرت تراتيب الفنون الأدبية بالنسبة لبعضها البعض ومن ثم بعد أن كان الشعر هو ديوان العرب في فترة من الفترات الماضية، أصبح هناك إعادة لترتيب هذه الفنون حسب مستويات صعودها وهبوطها بين الفنون الأدبية وبعضها البعض ومن هذا المنطلق أصبحت الرواية في زماننا تحتل المرتبة الأولى بينما تراجعت جميع الأنواع الأدبية الأخرى من دون أن يعنى ذلك أي نيل أو إساءة لها أو التلميح بإقصائها عن الساحة فهذا غيروارد تماما في رؤيتي ومقصد كتاباتي".