صدر حديثًا الطبعة الثالثة من رواية "غربة المنازل" للكاتب الكبير عزت القمحاوي، وكانت الطبعة الأولى من الرواية قد صدرت فى يونيو الماضي، ودخلت فى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد مؤخرًا.
وتتناول الرواية حياة مكان بين الواقع والخيال "مدينة الغبار" التى فاجأها كوفيد 19 فكشف عن هشاشة الحياة فيها، واختفت الحركة من الشوارع وتحولت المدينة إلى صورة من مدن ألف ليلة وليلة المسحورة التى ينمسخ سكانها وكل موجوداتها إلى تماثيل جامدة بفعل سحر أو غضب إلهي. وبدأ الكثير من الناس يعتبرون ما حدث علامة على اقتراب يوم القيامة؛ بل إن قيامة صغيرة قد وقعت، هى قيامة خاصة بالنساء!
بدأ الأمر باتهام زوج بإلقاء زوجته من نافذة الطابق الخامس بعد أن عرف بإصابتها بـ "كورونا" ولم تثبت التهمة على الرجل، لكن تساقط النساء من النوافذ استمر، وأصبح ظاهرة عادية لا يتوقف أمامها أحد.
يمضى السرد فى "غربة المنازل" التى تقع فى 210 صفحات على الخيط الرفيع بين الواقعى والفنتازي، بحيث يمكن أن نتعرف داخل الرواية على وقائع حقيقية يرفعها الخيال إلى عالم من الأساطير. ولا يستأثر الوباء بالواجهة دائمًا؛ فكثيرًا ما يتحول مجرد خلفية لعلاقة الشخصيات بالحياة وما يشغلهم من أسئلة حول الوجود والعدم، والقوة والسلطة، والحب والجنس.
وفى الرواية مؤرخ أفنى خمسين عامًا من عمره يتتبع تاريخ قيام واضمحلال الأمم، لا تخيفه الحروب والمجاعات والأوبئة، لا يرعبه سوى الخوف"يعتبره الأبشع من كل بشاعة، لأنه يبدد تضامن الضحايا ويحولهم إلى ضباع تتداعى لنهش من يسقط من بينهم، يتلذذون برؤية لحمه بين الأنياب لمجرد أنهم ليسوا مكانه"، يعجز المؤرخ عن إيقاف آلة التاريخ الخربة، ثم جاءته الفكرة: "اختبئ يصبح ما تخشاه غير موجود" هكذا فرض على نفسه العزلة قبل أن يطرق وباء كورونا أبواب مدينته!
ولا تترك الرواية قارئها نهبًا للعزلة والخوف؛ بل يفتح السرد نوافذ تتطلع منها الشخصيات للحياة. امرأة فى منتصف تتأرجح مع حبيبها فى عربة النساء بالترام محاصرة بين عيون مستنكرة لوجود رجل بالعربة وبين نظرات محبة من امرأة وحيدة تبدو من عمقها وكأنها رأت ما عاشه الحبيبان للتو. ولا تستطيع العاشقة أن تتخذ موقفًا من نظرات الأخرى إلى حبيبها، فهى لا تعرف إن كانت هذه الأخرى حقيقية عليها أن تغار منها أم أنها صورتها هى معكوسة على زجاج النافذة.
رواية "غُربة المنازل" هى الكتاب السادس عشر للروائى عزت القمحاوى الذى يكتب الرواية والقصة والنصوص العابرة للأجناس الأدبية. حاصل على جائزة نجيب محفوظ عام 2012 ووصل إلى القائمة الصيرة فى جائزة الشيخ زايد عام 2017 بروايته "يكفى أننا معًا" وعام 2020 بكتاب "غرفة المسافرين" وهو كتاب فى فلسفة السفر والسياحة فى المدن والكتب. وتُرجمت روايته "بيت الديب" إلى الإنجليزية والصينية، كما تُرجمت روايته "مدينة اللذة" إلى الإيطالية وكذلك كتابه "العار من الضفتين" وهو ريبورتاج أدبى حول الهجرة غير القانونية.