"مادا شين" لم يكن مواطنًا صينيًا عاديًا اعتنق ديانة الإسلام، لكنه كان مناضلاً يدافع عن بلاده ضد قوات التحالف الغربى الثمانى بقيادة بريطانيا العظمى، الذى شن ضدها حرب الأفيون الأولى (1840 – 1842م)، ورجل تحدى الصعاب وخرج من موطنه فى مقاطعة يوننان جنوبى الصين رغم وطأة الحرب، لكى يؤدى مناسك الحج فى الأراضى الحجازية ويوثق أول رحلة من الصين إلى مكلة المكرمة فى كتاب بعنوان "مذكرات رحلة إلى مكة المكرمة".
والكتاب أصدرته مؤخرًا دار الكتاب الحديث وترجمه وعلق عليه أستاذ الدراسات والبحوث الصينية الدكتور حمدى عبد العزيز، ومن المنتظر طرح الكتاب فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بنسخته الثالثة والخمسين.
انطلق "مادا شين" (1797 – 1874) من مقاطعة يوننان فى خضم حرب الأفيون الأولى زمن حكم أسرة تشينغ الملكية، لكى يسجل يومياته ومشاهداته فى رحلته الميمونة إلى الأراضى الحجازية، وقطع شوطًا طويلًا وبعيدًا بمعنويات عالية وإرادة صلبة، وخاض عباب سفرة كبرى من أجل تأدية فريضة الحج لله فى رحلة استغرقت عام ونصف كاملين، تحدى خلالها سلطة الاحتلال البريطانى التى أغلقت الطرق البرية والبحرية بين الصين والعالم الخارجي، وشق طريقًا آخر لرحلته تجشم فيه الصعاب والمشاق وتسلق الجبال وعبر الأنهار وتحدى الأمواج المتلاطمة وقاوم الفيضانات الهائلة والعواصف بالبحار والمحيطات، واجتاز الهند وبنجلاديش وسريلانكا والمحيط الهندى وبحر العرب ثم البحر الأحمر حتى وصل فى نهاية المطاف إلى ميناء جدة.
رحلة "مادا شين" التى استغرقت عام ونصف شملت عدة أماكن بمنطقتنا العربية زار خلالها مدن القاهرة والإسكندرية والسويس فى مصر، واستانبول فى أسيا الصغرى وجزيرة قبرص ومدينة القدس الشريف ومدينة حيفا بالأراضى الفلسطينية ومدينة عدن باليمن السعيد.
وسجل العالم المسلم الصينى الشهير خلال رحلته، المعالم الإسلامية والتاريخية والعادات والتقاليد، وأيضًا الأحوال الحياتية والبيئية، وحقيقة نظم الحكم بتلك الدول. كما دشن إرهاصات توطيد الوشائج والأواصر والعلاقات بين الصين والدول الإسلامية.