واحدة من أكثر نساء عصرها شهرة، وواحدة من القديسين الأربعة الذين يحمون فرنسا، شخصية أسطورية ألهمت الأدباء والمؤرخين وصناع الموسيقى والسينما حول العالم، بعدما استطاعت حفر اسمها في سجلات التاريخ، كأعظم وأصغر مقاتلة عرفها العالم على مر العصور، ورغم تكريمها فى بلادها، لكنها كانت شهيدة المقاومة ضد بريطانيا، ولا يزال اسمها مثيرا للجدل حتى الآن، إنها الأسطورة الفرنسية جان دارك.
وتمر اليوم الذكرى الـ609 على ميلاد القديسة الفرنسية جان دارك، إذ ولدت فى 6 يناير عام 1412، وتوفيت وهى ذات 19 ربيعا، بعدما تم إعدامها حرقا فى 30 مايو 1431، على يد محكمة بريطانية، بتهمة العصيان والزندقة، رغم تقديسها فى الجانب الفرنسى، لدورها الكبير ضد الاحتلال البريطانى.
بطلة حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا، جان دارك، ولدت في قرية دومرمي شرقي فرنسا من أب فلاح أمي، بعد إعلان اتفاقية تروا عام 1420 ووفاة الملك شارل السادس عام 1422، تقع دومرمي ما بين فرنسا القانونية على رأسها هنري السادس الموالي للإنجليز وفرنسا الشرعية وعلى رأسها شارل السابع، لذا فإن أهالي القرية أعلنوا ولاءهم ووفاءهم ودعمهم للملك شارل ضد المحتل الإنجليزى.
ويقال إنها عندما كانت في السادسة، تعسرت ولادة جارة لها كانت تحبها. فذهبت إليها وأخذت تدعو الله لإنقاذها. ونجت المرأة وجنينها، فانتشر في بلدتها أنها طفلة «مبروكة»، وتوافد عليها الجيران للتبرك بها. ويقال أيضا ـ وهذا هو المهم ـ انها عندما بلغت السادسة عشرة كانت تسمع أصوات قديسين تحثها على تخليص فرنسا من براثن الإنجليز. وأخبرت زوج خالتها عن الأصوات التي تسمعها وعن إصرارها على تحرير فرنسا، فصدقها، وساعدها هو وشابان في التحدث إلى حاكم فوكولور الذي قدرها، وسهل لها مقابلة الملك شارل السابع. وفي الوقت نفسه مد أهل بلدتها لها العون باعتبارها فتاة مبروكة واشتروا لها حصانا وسيفا ورمحا وزيا حربيا وقصت شعرها، وارتدت زي رجل.
وبفضلها، توج شارل السابع ملكا على فرنسا ثم زحفت جان دارك مع الفرنسيين نحو باريس في سبتمبر من نفس العام وتمكنوا من احتلال مدينة سان دينيس. في ذلك الوقت، وكرمها الملك شارل برفعها هي وأسرتها إلى مرتبة النبلاء. ويقال إنه عندما أصبحت باريس على وشك السقوط، طالبها الملك بأن تبقى بجواره بعد أن أبلت بلاء حسنا. ولكنها خرجت من جديد لتقاتل بشجاعة وتحقق انتصارات بقواتها التي كانت قد بلغت حينذاك 400 جندى فقط.
ثم خاضت أمام البرجانديين ـ عملاء الإنجليز الذين ينتسبون إلى دوق بورجوني ـ معركة شرسة في مدينة كومبيان انتهت بأسرها في 23 مايو 1430. وباعها الكونت دي لكسمبورغ للإنجليز. وفي مارس 1430، بدأت فصول محاكمتها بتهمة الهرطقة. وقبيل صدور الحكم بإعدامها حرقاً، طلبوا منها أن تعلن التوبة وتعترف بأخطائها، لكنها تمسكت بموقفها. وصدر الحكم الكنسي بإحراقها حية في الرابع والعشرين من مايو وكانت في التاسعة عشرة من عمرها، وتم تنفيذه في الثلاثين من نفس الشهر عام 1431، وألقي رمادها في نهر السين.
ويقال إنه في يوم إعدامها حرقاً، انهارت باكية وهي تسمع موعظة من رجال الكنيسة، وطلبت منهم الدعاء لها. وقيل إن بعض الذين أصدروا الحكم عليها بكوا تأثرا من الحكم القاسي. ولم يسدل الستار عن جان دارك بعد رحيلها. فقد رد إليها اعتبارها. فبعد قرابة عشرين عاما من إحراقها، أعيدت محاكمتها في أكثر من محكمة وبرأت من التهم التي وجهت إليها.
واستمرت الحرب لمدة 22 عاما بعد إعدام جان دارك، وبعد انتهاء الحرب وحفاظ شارل السابع على حكمه، أعاد محاكمتها بعد 25 سنة من وفاتها، وأبطل الحكم، وأعطى لأسرتها لقبا نبيلا ومنحهم شعارها، وبعد مرور قرون أعلن البابا بندكت الخامس عشر أن جان دارك قديسة وذلك فى 16 مايو 1920، لتصبح واحدة من أكثر القديسين شهرةً فى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.