انتهت الدولة الأموية فى سنة 132 بمقتل مروان بن محمد، ومع ذلك واصل البعض الخروج على الدولة العباسية، وكان منهم محمد السفيانى، حفيد معاوية بن أبى سفيان، فما الذى جرى له، وما الذى يقوله التراث الإسلامى؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "استقرار أبى العباس السفاح واستقلاله بالخلافة وما اعتمده فى أيامه من السيرة الحسنة"
تقدم أنه أول ما بويع له بالخلافة بالكوفة يوم الجمعة الثانى عشر من ربيع الآخر، وقيل: الأول من هذه السنة، سنة ثنتين وثلاثين ومائة.
ثم جرد الجيوش إلى مروان فطردوه عن المملكة وأجلوه عنها، وما زالوا خلفه حتى قتلوه ببوصير من بلاد الصعيد، بأرض مصر، فى العشر الأخير من ذى الحجة من هذه السنة على ما تقدم بيانه، وحينئذ استقل السفاح بالخلافة واستقرت يده على بلاد العراق وخراسان والحجاز والشام والديار المصرية، خلا بلاد الأندلس، فإنه لم يحكم عليها ولا وصل سلطانه إليها، وذلك أن بعض من دخلها من بنى أمية استحوذ عليها وملكها، كما سيأتى بيانه.
وقد خرج على السفاح فى هذه السنة طوائف، فمنهم: أهل قنسرين بعد ما بايعوه على يدى عمه عبد الله بن على وأقر عليهم أميرهم مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي، وكان من أصحاب مروان وأمرائه، فخلع السفاح ولبس البياض، وحمل أهل البلد على ذلك فوافقوه.
وكان السفاح يومئذ بالحيرة، وعبد الله بن على مشغول بالبلقاء يقاتل بها حبيب بن مرة المزى ومن وافقه من أهل البلقاء والبثنية وحوران على خلع السفاح، فلما بلغه عن أهل قنسرين ما فعلوا صالح حبيب بن مرة وسار نحو قنسرين، فلما اجتاز بدمشق - وكان بها أهله وثقله - استخلف عليها أبا غانم، عبد الحميد بن ربعى الكنانى فى أربعة آلاف.
فلما جاوز البلد وانتهى إلى حمص نهض أهل دمشق مع رجل يقال له: عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة فخلعوا السفاح وبيضوا وقتلوا الأمير أبا غانم وقتلوا جماعة من أصحابه وانتهبوا ثقل عبد الله بن على بن وحواصله، ولم يتعرضوا لأهله.
وتفاقم الأمر على عبد الله وذلك أن أهل قنسرين تراسلوا مع أهل حمص وتزمروا واجتمعوا على أبى محمد السفياني، وهو: أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، فبايعوه بالخلافة وقام معه نحو من أربعين ألفا، فقصدهم عبد الله بن على فالتقوا بمرج الأخرم فاقتتلوا مع مقدمة السفيانى وعليها أبو الورد فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزموا عبد الله عبد الصمد، وقتل من الفريقين ألوف، فتقدم إليهم عبد الله بن على ومعه حميد بن قحطبة فاقتتلوا قتالا شديدا جدا، وجعل أصحاب عبد الله يفرون وهو ثابت هو وحميد.
وما زال حتى هزم أصحاب أبى الورد، وثبت أبو الورد فى خمسمائة فارس من أهل بيته وقومه، فقتلوا جميعا وهرب أبو محمد السفيانى ومن معه حتى لحقوا بتدمر، وأمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا وبايعوه ورجعوا إلى الطاعة، ثم كر عبد الله راجعا إلى دمشق وقد بلغه ما صنعوا، فلما دنا منها تفرقوا عنها ولم يكن منهم قتال، فأمنهم ودخلوا فى الطاعة.
وأما أبو محمد السفيانى فإنه مازال مضيعا ومشتتا حتى لحق بأرض الحجاز فقاتله نائب أبى جعفر المنصور فى أيام المنصور، فقتله وبعث برأسه وبابنين له أخذهما أسيرين فأطلقما المنصور فى أيامه.
وقد قيل: إن وقعة السفيانى يوم الثلاثاء آخر يوم من ذى الحجة سنة ثنتين وثلاثين ومائة، فالله أعلم.