تمراليوم ذكرى معركة الزاب فى سنة 132 هجرية، والتى وضعت نهاية لدولة بنى أمية إثر هزيمتهم على يد العباسيين، ولكن المعركة لم تكن هى السبب الوحيد فقد سبقتها أسباب أخرى منها تكون "الجمعيات السرية" والتى يقول عنها كتاب "الدولة الأموية فى الشام" لـ أنيس زكريا النصولى.
يقول الكتاب:
كان الفرس يبثُّون الدعوة ضد بنى أمية وينالون منهم ويثيرون أحقاد الناس وضغائنهم فى كل مكان، فوجدت دَعْوَتُهم أرضًا خصبة وجوًّا صالحًا فى أدمغة الشيعة، وكان بدء هذه الحركة منذ أن سلَّم الحسن بن على زمام الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان، فأخذوا يؤسسون الجمعيات السرية والأحزاب القوية فى العراق وخراسان، ورشَّحوا محمد بن على وهو محمد ابن الحنفية للخلافة وعرضوا عليه قَبْض زكاتهم لينفقها فى مجاهَدة الأعداء وتنظيم الحركة ضِدَّهم، فقبل ذلك منهم وعيَّن الدعاة فى البلاد المختلفة لنشر أَمْره بين المخلصين والثقات سرًّا، وحذر كل الحذر لئلا ينشر أمره، فلما أَدْرَكَتْه الوفاة ولى عبد الله ابنه من بعده، فلم ينجح فى إعلان الثورة؛ لأن الأمويين كانوا يراقبون خصومهم ويعدُّون عليهم أنفاسهم.
فعقبه محمد بن على بن عبد الله بن العباس فى الحميمة، وكان مفكِّرًا فلم يرسل دعاته فى الشام ومصر لأن هواهم فى بنى أمية، ولم يجعل الكوفة مركز أعماله خيفة أن يغدر به الكوفيون وهم الذين أثبتت الحوادث خيانتهم لعلى بن أبى طالب والحسين ابنه وزيد بن على وغيرهم، ولم يقم بالحجاز لأن الحجاز بلاد فقيرة لا قوة لأهلها ولا حول لرجالها، فوجَّه وَجْهَه نحو خراسان، واعتمد بكل قوته على الفرس ورمى بنفسه فى أحضانهم ودعاهم إلى نصرته، وقد فعل هذا اعتقادًا منه أنهم مُخْلِصون لقضيته متفانون فى محبة آل البيت، ولا غرابةَ فى ذلك لأنهم كانوا يرسلون له الأموال الطائلة المرة إثر الأخرى.
روى ياقوت الحموى: "وكان محمد بن على بن عبد الله بن العباس قال لدعاته حين أراد توجيهَهم إلى الأمصار: أمَّا الكوفة وسوادها فهناك شيعة على وولده، والبصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف، وأمَّا الجزيرة فحرورية — خارجية — مارقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون أخلاف النصارى، وأمَّا الشام فليس يعرفون إلَّا آل أبى سفيان وطاعة بنى مروان، عداوة راسخة وجهل متراكم، وأمَّا مكة والمدينة فغلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بأهل خراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم يتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النِّحَل ولم يُقْدِم عليها فساد، وهم جندٌ لهم أبدانٌ وأجسامٌ ومناكبُ وكواهلُ وهامات … وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف مُنْكَرة".
وقال محمد بن على أيضًا: "أبى الله أن تكون شيعتنا إلَّا أهل خراسان، ولا نُنصر إلَّا بهم، ولا يُنصرون إلَّا بنا، إنه يخرج من خراسان سبعون ألف سيف مشهور، قلوبهم كزُبرِ الحديد، يطوون مُلْكَ بنى أمية طيًّا ويزفُّون المُلْكَ إلينا زفًّا".
ثم إن خراسان بلادٌ بعيدةٌ عن عاصمة الخلافة الأموية، وليس للعرب بها سلطان قوى أو نفوذ عظيم، فيمكن للحركة العباسية أن تنمو وأن تثبت تجاه القوى الأموية، وأن ينتقل رجالها فى جبالها ووهادها انتقالًا سريعًا قبل أن يكون للحكومة الوقت الكافى لتشتيت شَمْلهم والقضاء عليهم.
والحقيقة التى لا غبارَ عليها أن دعاة العباسيين أَظْهَروا مهارةً تامةً فى تكَتُّمهم، فحذروا حذرًا شديدًا من العرب فى فارس، وكانوا لا يُفْشُون أسرارهم إلَّا للمخلصين لهم، ويأخذون عليهم العهود والمواثيق المؤكدة، وأظهروا براعة تامة فى تمثيل جور بنى أمية واعتدائهم وتهتكهم واستهتارهم واستخفافهم بأمور الدين والشريعة المطهرة، وجعلوا يسيرون من مقاطَعة إلى مقاطَعة ومن كورة إلى كورة فيدعون الناس إلى مبادئهم فيستجيبون لهم.
وقال الدينورى "وقد ساروا — دعاة العباسية — من مدينة مرو إلى بخارى، ومن بخارى إلى سمرقند، ومن سمرقند إلى كش ونسف، ثم عطفوا على الصغانيان، وجازوا منها إلى ختلان، وانصرفوا إلى مرو الروذ والطالقان، وعطفوا إلى هراة وبوشنج، وجازوا إلى سجستان، فغرسوا فى هذه البلدان غرسًا كثيرًا وفشا أَمْرُهم فى جميع أقطار خراسان، فطلبهم عمال بنى أمية فلم يُدْرِكوا لهم أثرًا".