ظهرت الفتنة مبكرا فى دولة العباسيين، وذلك بعد موت الخليفة الأول أبو العباس السفاح فى سنة 136 هجرية، فقد اختلف الأمر بين أبو جعفر المنصور شقيق السفاح وبين عمه عبد الله بن على، فما الذى يقوله التراث الإسلامى؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "خلافة أبى جعفر المنصور"
واسمه: عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس.
لما مات السفاح كان فى الحجاز، فبلغه موته وهو بذات عرق راجعا من الحج، وكان معه أبو مسلم الخراسانى، فعجل السير وعزاه أبو مسلم فى أخيه، فبكى المنصور عند ذلك.
فقال له: أتبكى وقد جاءتك الخلافة؟ أنا أكفيكها إن شاء الله.
فسرى عنه، وأمر زياد بن عبيد الله أن يرجع إلى مكة واليا عليها، وكان السفاح قد عزله عنها بالعباس بن عبد الله بن معبد بن عباس فأقره عليها.
والنواب على أعمالهم حتى انسلخت هذه السنة، وقد كان عبد الله بن على قدم على ابن أخيه السفاح الأنبار فأمره على الصائفة، فركب فى جيوش عظيمة إلى بلاد الروم، فلما كان ببعض الطريق بلغه موت السفاح فكر راجعا إلى حران، ودعا إلى نفسه، وزعم أن السفاح كان عهد إليه حين بعثه إلى الشام أن يكون ولى العهد من بعده، فالتفت عليه جيوش عظيمة.
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائة.. ذكر خروج عبد الله بن على على ابن أخيه المنصور
لما رجع أبو جعفر المنصور من الحج بعد موت أخيه السفاح، دخل الكوفة فخطب بأهلها يوم الجمعة وصلى بهم.
ثم ارتحل منها إلى الأنبار، وقد أخذت له البيعة من أهل العراق وخراسان، وسائر البلاد سوى الشام، وقد ضبط عيسى بن على بيوت الأموال والحواصل للمنصور حتى قدم، فسلم إليه الأمر، وكتب إلى عمه عبد الله بن على يعلمه بوفاة السفاح، فلما بلغه الخبر نادى فى الناس الصلاة جامعة، فاجتمع إليه الأمراء والناس، فقرأ عليهم وفاة السفاح، ثم قام فيهم خطيبا، فذكر أن السفاح كان عهد إليه حين بعثه إلى مروان أنه إن كسره كان الأمر إليه من بعده، وشهد له بذلك بعض أمراء العراق، ونهضوا إليه فبايعوه، ورجع إلى حران فتسلمها من نائب المنصور بعد محاصرة أربعين ليلة، وقتل مقاتل العكى نائبها.
فلما بلغ المنصور ما كان من أمر عمه بعث إليه أبا مسلم الخراسانى ومعه جماعة من الأمراء، وقد تحصن عبد الله بن على بحران، وأرصد عنده مما يحتاج إليه من الأطعمة والسلاح شيئا كثيرا جدا، فسار إليه أبو مسلم الخراسانى وعلى مقدمته مالك بن هيثم الخزاعي، فلما تحقق عبد الله قدوم أبى مسلم إليه خشى من جيش العراق أن لا يناصحوه، فقتل منهم سبعة عشر ألفا، وأراد قتل حميد بن قحطبة فهرب منه إلى أبى مسلم، فركب عبد الله بن على فنزل نصيبين وخندق حول عسكره، وأقبل أبو مسلم فنزل ناحية، وكتب إلى عبد الله: إنى لم أومر بقتالك، وإنما بعثنى أمير المؤمنين واليا على الشام فأنا أريدها.
فخاف جنود الشام من هذا الكلام فقالوا: إنا نخاف على ذرارينا وديارنا وأموالنا، فنحن نذهب إليها نمنعهم منه.
فقال عبد الله: ويحكم ! والله إنه لم يأت إلا لقتالنا.
فأبوا إلا أن يرتحلوا نحو الشام، فتحول عبد الله من منزله ذلك وقصد ناحية الشام، فنهض أبو مسلم فنزل موضعه وغوَّر ما حوله عن المياه - وكان موضع عبد الله الذى تحول منه موضعا جيدا جدا - فاحتاج عبد الله وأصحابه فنزلوا فى موضع أبى مسلم فوجدوه منزلا رديئا، ثم أنشأ أبو مسلم القتال فحاربهم خمسة أشهر.
وكان على خيل عبد الله أخوه عبد الصمد بن على، وعلى ميمنته بكار بن مسلم العقيلي، وعلى ميسرته حبيب بن سويد الأسدي، وعلى ميمنته أبى مسلم الحسن بن قحطبة، وعلى ميسرته أبو نصر خازم بن خزيم، وقد جرت بينهم وقعات، وقتل منهم جماعات فى أيام نحسات، وكان أبو مسلم إذا حمل يرتجز ويقول:
من كان ينوى أهله فلا رجع * فرَّ من الموت وفى الموت وقع
وكان يعمل له عرش فيكون فيه إذا التقى الجيشان فما رأى فى جيشه من خلل أرسل فأصلحه.
فلما كان يوم الثلاثاء أو الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة: التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا، فمكر بهم أبو مسلم ! بعث إلى الحسن بن قحطبة أمير الميمنة فأمره أن يتحول بمن معه إلا القليل إلى الميسرة، فلما رأى ذلك أهل الشام انحازوا إلى الميمنة بإزاء الميسرة التى تعمرت، فأرسل حينئذ أبو مسلم إلى القلب أن يحمل بمن بقى فى الميمنة على ميسرة أهل الشام فحطموهم، فجال أهل القلب والميمنة من الشاميين فحمل الخراسانيون على أهل الشام وكانت الهزيمة.
وانهزم عبد الله بن على بعد تلوم، واحتاز أبو مسلم ما كان فى معسكرهم، وأمن أبو مسلم بقية الناس فلم يقتل منهم أحدا، وكتب إلى المنصور بذلك، فأرسل المنصور مولاه أبا الخصيب ليحصى ما وجدوا فى معسكر عبد الله، فغضب من ذلك أبو مسلم الخراساني.
واستوثقت الممالك لأبى جعفر المنصور، ومضى عبد الله بن على وأخوه عبد الصمد على وجهيهما، فلما مرَّا بالرصافة أقام بها عبد الصمد، فلما رجع أبو الخصيب وجده بها فأخذه معه مقيدا فى الحديد فأدخله على المنصور فدفعه إلى عيسى بن موسى فاستأمن له المنصور.
وقيل: بل استأمن له إسماعيل بن علي.
وأما عبد الله بن على فإنه ذهب إلى أخيه سليمان بن على بالبصرة، فأقام عنده زمانا مختفيا، ثم علم به المنصور فبعث إليه فسجنه فى بيت بنى أسامة على الملح ثم أطلق عليه الماء فذاب الملح وسقط البيت على عبد الله فمات.
وهذه من بعض دواهى المنصور، والله سبحانه أعلم.
فلبث فى السجن سبع سنين ثم سقط عليه فى البيت الذى هو فيه فمات.