التاريخ مليئ بالشخصيات المربكة التى طالما صنعت أحداثا ومواقف لا يمكن للتاريخ تجاوزها، لكن المربك أكثر أن كثير من قبور هؤلاء الأشخاص ذاهب غياهب النسيان، جعل المؤرخون يحتارون والمستكشفون ينقبون بحثا عنهم، واختلفت الأقوال، وصارت أساطير، بعضها يستوعبها العقل البشرى، ويبدو أننا فى العصر الحديث وفى القرن الحادى والعشرين لا يزال مجبرون على أن يكون قبور بعض الشخصيات المختلف معاها فكريا، سرا، حتى لا يعرفها المتطرفون.
منذ أيام رحل عن عالمنا المفكر الدكتور سيد القمنى، عن عمر يناهز 74 عاما، ومن لا يعرف "القمنى" هو أحد المفكرين التى تناولت أعماله الأكاديمية مرحلة حساسة في التاريخ الإسلامي، البعض يعتبره باحثاً في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسية والبعض الآخر يعتبره صاحب أفكار اتسمت بالجرأة في تصديه للفكر، وبعد رحله ومسيرة، تمت مراسم دفن الراحل فى مدينته بلبيس بحضور الأهل والأصدقاء المقربون فقط، بعدما هوجم الرجل ميتا كما هجموا حيا.
وسبق نفس موقف القمنى، ما حدث منذ أشهر قليلة، حينما غابت عن عالمنا الأديبة والمفكرة الكبيرة الدكتورة نوال السعداوى، والتى "شمت" فى موتها المتطرفون ولم يحترموا حرمة الموت كما أوصانا الدين الحنيف، حيث تمت مراسم دفنها أيضا في مقابر العائلة بالسادس من أكتوبر، بحضور الأسرة فقط بسبب ظروف وباء كورونا، في غياب وسائل الإعلام لرغبة أسرتها.
وبالنظر إلى التاريخ نجد أن هناك الكثيرون مما دفن جثمانهم سرا، ووارى جسدهم الثرى غايبا عن الأعين، ليغيب آخر أثر لهؤلاء عن العالم، وتبقى سيرتهم فقط سواء بالقبول أو الإيجاب، لكننا فى النهاية لا نعرف أين مقابر هؤلاء الآن، ومنهم:
الإسكندر الأكبر
كثرت الروايات حول قصة دفن الإسكندر المقدونى العظيم، فبعض المصادر تقول إنه طلب من قادته أن يدفنوه بحرًا، ولكنهم لم يحققوا له مطلبه بعد وفاته، وذكرت مصادر أخرى أن قادته اختلفوا حول مكان دفنه، فكل منهم أراد أن يدفنه في المنطقة التي يحكمها، وقيل إن حاكم مقدونيا بيرديكاس شنّ معركة بالتعاون مع قوات بطليموس الأول للاستيلاء على ناووس الإسكندر، ونقله إلى مقره، ليدفن هناك، وأن الأخير خشي لاحقًا من أن يدفن الإسكندر في سيوة، فيأتي أحدهم من الصحراء ويسرقها، وذكرت روايات أخرى أن قبر الإسكندر موجود في العراق.
اختلفت الأسباب ما بين خشية من أن يصبح القبرمزارًا لمواليه أو خشية من أن يدفن على اليابسة أن تعترف به دولة تلك اليابسة، أو أن الميت أراد ذلك قبل وفاته أو أن التاريخ عجز عن رصدها، وفي النهاية بقيت أماكن دفنهم سرًا.
كليوباترا
سنة 30 قبل الميلاد، وإثر غزو أغسطس قيصر لبلاد مصر، أقدمت الملكة كليوباترا السابعة على الانتحار بلدغة أفعى سامة بناء على ما نقله المؤرخ بلوتارخ، ودفنت كليوباترا السابعة برفقة عشيقها ماركوس أنطونيوس داخل معلم جنائزي مذهل قرب الإسكندرية.
وإلى يومنا هذا لا يزال مكان قبر كليوباترا السابعة مجهولا، وبحسب اعتقاد أغلب المؤرخين يقبع المعلم الجنائزي الذي يضم جثث كل من ملكة مصر وعشيقها ماركوس أنطونيوس في عمق البحر عقب زلزال مدمر ضرب الإسكندرية وغيّر خارطتها.
جنكيز خان
رغم سيرته وأسطورته التى لا تخفت أبدا، إلا أن الجميع يتفق على أن مكان قبره مجهول، وتروي الأسطورة بأنه رأى أرضًا واسعة في مرعى أوردوس، وهو في طريقه إلى مملكة شيشيا عليها قطعان من الحيوانات، فأسرت قلبه، وأسقط سوطه فجأة، وأراد أحد أتباعه أن يلتقطه فقال لا تلتقطه، فهذا المكان هو مأواي الأخير، سوف تدفن جثتي فيه، وعندما مات جنكيز خان، نقل أتباعه جثته إلى مغوليا، ولكن ناقلة جثمانه وقعت في حفرة داخل مرعى أورودوس، ولم تعد تتحرك، وجعلوا مكان الحفرة ضريحًا له.
الإمام على
رابع الخلفاء الراشدين، وابن عم النبى محمد صلى الله عليه وسلم، اغتاله عبدالرحمن بن ملجم بينما كان يؤمّ المسلمين في صلاة الفجر ضربًا على رأسه بسيف مسموم، وفي رواية أخرى أنه ضربه بالسيف وهو في طريقه إلى المسجد، وقال مقولته المعروفة، فزت ورب الكعبة، عندما ضربه بن الملجم على رأسه.
أما قبره فقد اختلف فيه العلماء والمؤرخون، فمنهم من يقول إنه دفن في قصر الإمارة في الكوفة، ولاتعلم البقعة التي دفن فيها، وعمي مكان قبره كي لا تنبشه الخوارج ويعرضونه للمهانة، ومنهم من يقول إنه دفن في مكان غير معروف.
ويقال إنه دفن في الكوفة، ثم نقله ابنه الحسن إلى المدينة، ويقال إنه في مدينة النجف، إلا أن الغالبية يقولون إنه ليس قبره، وإنما قبر الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة، ومنهم من يقول إنه في أفغانستان، ولكن يبقى مكان دفنه سرًا لا يعرفه أحد حتى الآن، كحالمعظم الصحابة والأولياء.
أدولف هتلر
انتهت الحرب العالمية الثانية، بهزيمة هتلر، وكان محصورًا في مركز قيادته تحت الأرض، وانتحر هو وعشيقته إيفا برون في حصنه، وأشارت مصادر إلى أن هتلر تناول السيانيد هو وعشيقته إيفا برون، التي تزوجها قبل وفاته بـ 40 ساعة، وبعد تناول وجبة عشاء خفيفة، أطلق النار على نفسه، وقيل إنه تم حمل الجثتين فوق أرض خارج مستقره، وتم حرق الجثتين، إلا أنهما لم تحترقا تمامًا، وبعد تشريح الجثتين وإخراجهما أكثر من مرة، تم دفنهما في مكان سرّي، وبعد الاتفاق على تسليم منشأة المخابرات المضادة إلى حكومة ألمانيا الشرقية أمر مدير الكي جي بي بتدمير بقايا الجثتين، فأخرجوا جثمانه سرًا، وأحرقوه، ورموا الرماد في نهر ألبه، وذلك كي لا يتحول قبره إلى مزار للنازيين الجدد.