على مدى التاريخ الإسلامى ظهرت عدة طوائف غريبة متشددة ومتطرفة، منها طائفة الراوندية، وذلك فى سنة 141 هجرية، فما الذى جرى، وما الذى يقوله التراث الإسلامى؟
ويقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير "ثم دخلت سنة إحدى وأربعون ومائة"
فيها: خرجت طائفة يقال لها: الرواندية على المنصور.
ذكر بن جرير، عن المدائني: أن أصلهم من خراسان، وهم على رأي أبي مسلم الخراساني، كانوا يقولون بالتناسخ، ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم أبو جعفر المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريل، قبحهم الله.
قال ابن جرير: فأتوا يوما قصر المنصور فجعلوا يطوفون به ويقولون: هذا قصر ربنا.
فأرسل المنصور إلى رؤسائهم فحبس منهم مائتين، فغضبوا من ذلك وقالوا: علام تحبسهم؟
ثم عمدوا إلى نعش فحملوه على كواهلهم وليس عليه أحد، واجتمعوا حوله كأنهم يشيعون جنازة، واجتازوا بباب السجن، فألقوا النعش ودخلوا السجن قهرا واستخرجوا من فيه من أصحابهم، وقصدوا نحو المنصور وهم في ستمائة.
فتنادى الناس وغلقت أبواب البلد، وخرج المنصور من القصر ماشيا، لأنه لم يجد دابة يركبها، ثم جيء بدابة فركبها وقصد نحو الرواندية، وجاء الناس من كل ناحية، وجاء معن بن زائدة، فلما رأى المنصور ترجل وأخذ بلجام دابة المنصور وقال: يا أمير المؤمنين ارجع ! نحن نكفيكهم.
فأبى وقام أهل الأسواق إليهم فقاتلوهم، وجاءت الجيوش فالتفوا عليهم من كل ناحية فحصدوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم بقية.
وجرحوا عثمان بن نهيك بسهم بين كتفيه، فمرض أياما ثم مات، فصلى عليه الخليفة، وقام على قبره حتى دفن ودعا له، وولى أخاه عيسى بن نهيك على الحرس، وكان ذلك كله بالمدينة الهاشمية بالكوفة.
ولما فرغ المنصور من قتال الرواندية ذلك اليوم صلى بالناس الظهر في آخر وقتها، ثم أتي بالطعام فقال: أين معن بن زائدة؟
وأمسك عن الطعام حتى جاء معن فأجلسه إلى جبنه، ثم أخذ في شكره لمن بحضرته لما رأى من شهامته يومئذ.
فقال معن: والله يا أمير المؤمنين لقد جئت وإني لوجل، فلما رأيت استهانتك بهم وإقدامك عليهم قوي قلبي واطمأن، وما ظننت أن أحدا يكون في الحرب هكذا، فذاك الذي شجعني يا أمير المؤمنين.
فأمر له المنصور بعشرة آلاف ورضي عنه وولاه اليمن.
وكان معن بن زائدة قبل ذلك مختفيا، لأنه قاتل المسودة مع ابن هبيرة، فلم يظهروا إلا في هذا اليوم، فلما رأى الخليفة صدقه في قتاله رضي عنه.
ويقال: إن المنصور قال عن نفسه: أخطأت في ثلاث: قتلت أبا مسلم وأنا في جماعة قليلة، وحين خرجت إلى الشام ولو اختلف سيفان بالعراق لذهبت الخلافة، ويوم الرواندية لو أصابني سهم غرب لذهبت ضياعا، وهذا من حزمه وصرامته.
وفي هذه السنة: ولى المنصور ابنه محمدا العهد من بعده، ودعاه: بالمهدي، وولاه بلاد خراسان، وعزل عنها عبد الجبار بن عبد الرحمن.