فى كل ظاهرة أو مناسبة معينة، نجد بعض الأشخاص الذين يرجعون أصل هذه المناسبة أو الظاهرة إلى عهد المصريين القدماء، فبعضها يكون حقيقيا، و بعضها لا يتعدى كونه مغالطة تاريخية أو أبحاثا ليس لها إسنادات قوية، وكان آخر هذه الاجتهادات محاولة إرجاع أصل "الصوم" إلى المصريين القدماء، وهو الأمر الذى رفضه الأثريون وأساتذة الآثار.
وذهب بعض الباحثين إلى أن المصريين القدماء كانوا يحددون أياماً ويصومون فيها، مثل تحديد ليلة 11 بشنس و الامتناع عن الأكل والشراب حتى مغرب الشمس، ثم يفطرون تحية للإله رع باعتباره رب الضوء و عرفانا منهم بجميل تعليمهم زراعة القمح والحبوب، وتم إنساب كلمة "صوم" إلى الكلمة الهيروغليفية "صاو"، ولكن كل ذلك غير صحيح وليس له أساس من الصحة حسب ما قاله دارسو الآثار والتاريخ واللغة المصرية القديمة.
ومن جانبه قال الدكتور أحمد بدران، الأستاذ بكلية الآثار بجامعة القاهرة، أن هناك باحثين مصريات، ليسوا دارسين للآثار بالأساس، ويطلقون الشائعات حول المصريين القدماء، وآخر هذه الشائعات كانت أن الصوم عادة فرعونية، فهذا ليس له أى أساس من الصحة، حيث إن الصوم ارتبط بالديانات السماوية، وفرض لغرض محدد، أما فى الديانة المصرية القديمة لم يكن واضحاً هذا الأمر ولم نعثر على أى دليل أثرى سواء كان برديات أو نصوص ورد بهم تأدية الصيام أو طرقه، فالنصوص كلها التى وردت كانت عن العبادة وكيفية التعبد، وعن المعبودات وخصائصهم.
وأضاف "بدران"، إن كانت فقرة من متون الأهرام قد أوردت أن بعضا من الكهنة صاموا للإله رع، حسب ما يذكر بعض الباحثين، فمن المؤكد إنها فى مسار وسياق مختلف، شكلاً ومضموناً ومعنى، وأن الطقوس كانت تقتصر على كهنة معيين وطقوس محددة كالتطهير قبل دخول المعبد، ليس هناك علاقة من قريب أو من بعيد بين الصوم فى الأديان الثلاثة، و امتناع بعض الكهنة عن الأكل فهم لم يعرفوا الصوم جملة و تفصيلاً.
وتابع أحمد بدران، أما بخصوص ما يثار حول اشتقاق كلمة الصوم من الكلمة الفرعونية "صاو"، فهى أيضاً مجرد مغالطات لغوية، حيث إن كلمة "صاو" المصرية القديمة تعنى حماية ووقاية ومعان أخرى ليس من ضمنها الامتناع عن الأكل أو الشرب.
واتفق معه الدكتور عبد الحليم نور الدين، رئيس اتحاد الأثريين المصريين، قائلاً إن الكلام المثار ليس له أساس و لا يوجد، و إن كان بعض الكهنة كانوا يمتنعون عن طعام معين أو أعياد ومناسبات فى أوقات معينة حسب طقوس دينية لها علاقة بالمعبود الذين يقومون على خدمة معبده، وهذه الطقوس لا تشبه الصيام المفروض علينا فى الثلاث ديانات السماوية.
ومن جانبه شكك الدكتور أحمد مكاوى، الأستاذ بكلية الآثار بجامعة القاهرة، صحة آراء الباحثين حول القيام بطقسة الصيام، أو معرفتهم بالصوم، حيث إن الصوم يرتبط بالديانات السماوية التى جاءت بعد فترة المصريين القدماء بكثير.