كانت القاهرة دائما عاصمة من عواصم الفنون فى العالم، ظهر بها مبدعون واختفى آخرون، وقد حققت الست توحيدة شهرة كبيرة بها لكن مع ذلك صحبتها العديد من الألغاز.
يقول كتاب "القاهرة وما فيها" للكاتب الراحل مكاوى سعيد "توحيدة.. مطربة بلا أثر" يعتبرها بعض الموسيقيين من أهم المطربات الشرقيات بعد الست "ألمظ" التي أحبها وارتبط بها سلطان الطرب عبده الحامولي، فقد كانت حانتها وتختها مدرسة للطرب وملتقى لكبار الملحنين والمطربين من أمثال عبده الحامولي وداود حسني والقباني وسيد درويش.
والست "توحيدة" سيدة لبنانية اسمها الأصلي "لطيفة إلياس فخر"، وقد هاجرت إلى مصر في عام 1900 وبدأت بغناء أدوار عبده الحامولي ومحمد عثمان، وتُعد أول امرأة شرقية تخلت عن العباءة وغطاء الوجه، وكانت أنجح أيامها في أوائل القرن العشرين، حيث كانت تقدم حفلاتها اليومية في أرجاء منطقة العتبة.
وقد عملت ممثلة ومغنية في مسرح الابتهاج، وبعده مسرح "ألف ليلة وليلة"، حيث تعرفت على الملحن القدير "محمد القصبجي" وقدم لها لحنه الشهير "الحب له أحكام" في عام 1917 الذي اشتهرت به، وهو من مقام الزنجران، ويُعتبر القصبجي أول من استخدم هذا المقام، فسيد درويش لم يلحن "في شرع مين" من مقام الزنجران إلا بعدما استمع إلى الست توحيدة تغني للقصبجي طقطوقة "الحب له أحكام".. وكانت الست توحيدة في تلك الفترة قد تزوجت "مانولي"، صاحب ملهى "ألف ليلة وليلة"، وبعد وفاة "مانولي" أسست مسرح "البيجو بالاس" بشارع عماد الدين، واعتزلت الغناء عندما تقدمت في السن، وعاشت في عزلة تجتر أيامها حتى توفيت عام 1933.
ومن أشهر الطقاطيق التي غنتها الست توحيدة هي: "في البعد ياما كنت أنوح، الحب له أحكام، إن كنت شاريني متتألشي.. أكتر من كده ما استحملشي، الله على شكلك وحلاوتك.. يا نقاوة يا طرح البدرية".
ومن الألغاز المتعلقة بالست توحيدة أنها تُعتبر مطربة بلا أثر! فمن ضروب المستحيلات العثور على تسجيل لصوتها تغني إحدى طقاطيقها أو أغنياتها مثل الست "ألمظ" والست "ساكنة" وبقية المغنواتية الذين فاتهم عصر التسجيلات! لكن المدهش أن الست توحيدة غنت وتألقت في أوج عصر التسجيلات وتوجد لقريناتها المغنيات أسطوانات وتسجيلات بأصواتهن، ومن أشهرهن السيدة "منيرة المهدية"! يُشاع أن سبب ذلك أن الست توحيدة كانت تشترط الغناء في الهواء الطلق، رغبة في إيصال صوتها لكل محبيها وعشاقها وترفض التسجيل! واللغز الثاني أنه لا توجد عنها ولا عن فترتها الطويلة الغناء الشرقي التي تعدت الثلاثين سنة أي معلومات، ولا على شبكات المعلومات الإلكترونية ومحاور البحث إلا النزر اليسير.