تمر اليوم الذكرى الـ1398 على وقوع غزوة بدر الكبرى والتى يصنفها المؤرخون على أنها أول معركة فى الإسلام، هى غزوة وقعت فى السابع عشر من رمضان فى العام الثانى من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين بقيادة الرسول محمد (ص)، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومى القرشي، وتعد أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة.
تعتبر غزوة بدر من الغزوات المباركة فى السيرة النبوية والتاريخ الإسلامى كله، حيث كانت البداية الحقيقيّة لظهور المسلمين وعلوّهم، وكل انتصارٍ للمسلمين جاء بعدها سيظل مديناً لهذه المعركة التى كانت بداية الفتوحات والانتصارات الإسلامية.
ومن هذه المعجزات إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمور غيبية لم تحدث بعد، ثم وقعت كما أخبر بها ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .. وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد اختص بمعرفة علم الغيب، وأنه استأثر به دون خلقه، قال الله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النمل:65)، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (الأنعام: من الآية59) .. جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحى إليهم، وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا }(الجن: 26، 27).
وما وقع على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الإخبار بالمغيبات فبوحى من الله تعالى، وهو إعلام الله عز وجل لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للدلالة على ثبوت نبوته، وصحة رسالته.
ومن المعجزات النبوية التى أكرم الله بها نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى غزوة بدر ما ذكره ابن القيم فى كتبه زاد المعاد: "أن سيف عُكَّاشة بن محصن انقطع يومئذ، فأعطاه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جذلا من حطب، فقال: (دونك هذا)، فلما أخذه عكاشة وهزه، عاد فى يده سيفًا طويلاً شديدًا أبيض، فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل فى الردة أيام أبى بكر".
وذكر ابن كثير فى البداية والنهاية أن رفاعة بن رافع ـ رضى الله عنه ـ قال: "لما كان يومُ بَدرٍ تجَمَّع الناسُ على أُبَى بن خلف، فأقبَلْتُ إليه فنظرتُ إلى قطعة من دِرعِهِ قدِ انقَطعَتْ من تَحتِ إِبِطهِ، قال فطَعنتُهُ بالسَّيف فيها طعنة، ورُمِيتُ بسهم يوم بدر فَفُقِئَتْ عَينِي، فَبصق فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعا لي، فما آذانى منها شيء".
مصارع الطغاة من مشركى قريش
فى اليوم السابق للمعركة، تفقد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرض القتال المرتقبة، وجعل يشير إلى مواضع مقتل المشركين فيها .. فعن أنس بن مالك - رضى الله عنه - قال: (كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد (قوي) البصر، فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟، فجعل يقول لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي، ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، قال: فقال عمر: فو الذى بعثه بالحق ما أخطؤوا الحدود التى حد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ) رواه مسلم.
مقتل أمية بن خلف
عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال: ( انطلق سعد بن معاذ معتمرا، قال: فنزل على أمية بن خلف أبى صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد ، فقال أمية لسعد : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت؟، فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل، فقال: من هذا الذى يطوف بالكعبة؟ّ!، فقال سعد أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا، وقد آويتم محمدا وأصحابه؟!، فقال: نعم، فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد : لا ترفع صوتك على أبى الحكم، فإنه سيد أهل الوادي. ثم قال سعد: والله لئن منعتنى أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام، قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك وجعل يمسكه، فغضب سعد فقال: دعنا عنك، فإنى سمعت محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟!، قال: نعم. قال والله ما يكذب محمد إذا حدث . فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لى أخى اليثربي؟، قالت: وما قال؟، قال: زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت: فو الله ما يكذب محمد، قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟، قال: فأراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي، فسر يوما أو يومين، فسار معهم، فقتله الله ) روا البخاري.
نزول الملائكة
انطوت معركة بدر على معجزة من أعظم معجزات التأييد والنصر للمسلمين، فقد أمدهم الله فيها بملائكة يقاتلون معهم، وقاموا بكل ما يمكن أن يكون سببا لنصر المسلمين، من بشارتهم بالنصر، وتثبيتهم بما ألقوه فى قلوبهم من بواعث الأمل والاطمئنان والثبات، وبما أظهروه للمسلمين من أنهم معانون من الله تعالى، بل وبما قام بعض الملائكة من الاشتراك الفعلى فى القتال.. وفى ذلك قال الله تعالى: { إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }(الأنفال:12)، وقال تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(آل عمران:126:123) .