واحد من الكتب الاستثنائية فى تاريخ الشعر فى العصر الحديث، والذى أثار جدلاً كبيراً منذ صدوره بالفرنسية وحتى وقتنا هذا "كتاب قصيدة النثر" من بودلير وحتى الوقت الراهن، لسوزان برنار، نقلتها للعربية المترجمة الكبيرة راوية صادق، ومراجعة وتقديم الشاعر الكبير رفعت سلام، وكانت الفكرة من مقترح الدكتور جابر عصفور فى العام الماضى.
ينطلق الكتاب فى القسم الأول كون كبار شعراء المرحلة الثانية الرومانتيكية يربطون البحث عن أشكال جديدة فى التعبير بمفهوم ميتافيزيقى للشعر، ويعتبرون قصيدة النثر (عن وعى أو لا وعى) أداة تمرد ضد نظام كامل من الأعراف الاجتماعية والفنية، و"صيدا روحيا" - فى آن - وبحثا عن المجهول أو المطلق.
ويقول الكتاب: سنرى فى العهد التالى ظهور اهتمامات مماثلة لدى أتباع "بوديلر" و"مالارمية"، وسيدور الحديث أكثر مما مضى، عن المعنى العميق والقيمة الميتافيزيقية للشعر: لقد ظهرت اندفاعة حاسمة، وولدت حركة، ستنتشر موجاتها دائما، منتصرة أبدا فى القوة والامتداد حتى الآن.
ورغم ذلك فيبدو أن هذا الجيل الرمزي قد انشغل -بشكل خاص- بالبعد التقنى والشكلى من المشكلة الشعرية: فقليلة هى العهود الأدبية التى شهدت مثل هذا التكاثر للكتابات النظرية، والمقالات، والمقدمات، والنشرات الهجائية، التى تقترح وتدرس تجديد الشكل الشعرى.
تعد سوزان برنار رائدة صياغة مصطلح "قصيدة النثر"، وتسويغه فى الأدب الحديث، حيث أعدت برنار فى العام 1958 أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه فى الآداب، تحت عنوان: قصيدة النثر: من بودلير حتى أيامنا هذا" (Le Poème en prose, de Baudelaire Jusqu'à nos jours) فى جامعة باريس، وبلغ عدد صفحاتها عندما نشرت الأطروحة فى فرنسا فى كتاب، نحو 814 صفحة، موزعة على ثلاثة فصول مع مقدمة تاريخية عن قصيدة النثر ما قبل بودلير.
ترجمت أقسام من كتاب برنار إلى العربية أكثر من مرة، وتأثر بها بدايةً، كل من "أنسى الحاج، وأدونيس"، كما احتفلت مجلة شعر البيروتية بأطروحة برنار فى وقتها، ونشرت بعض أجزاء منها على صفحاتها، ثم ما لبثت أن انتشرت كتابة قصيدة النثر العربية.
وقصيدة النثر هى قطعة نثر، غير موزونة وتأتى القافية فيها فى مناطق مختلفة من الابيات وأحياناً تكون غير مقفاة، تحمل صورًا ومعانى شاعرية وأغلبها تكون ذات موضوع واحد.