واحد من الكتب الهامة التي تناولت مساءلة تجديد الخطاب الدينى، وتعمقت في المفهوم الدينى لعدد من القضايا الشائكة كقضايا المرأة والفنون، كان كتاب المفكر الكبير الراحل رجائى عطية، الصادر عام 2018.
ورحل عن عالمنا صباح اليوم، نقيب المحامين، المفكر الكبير رجائى عطية، إثر تعرضه لوعكة صحية أثناء نظر جلسة محاكمة المحامين أمام جنايات امبابة بالجيزة، وذلك عن عمر يناهز 83 عاما.
يعالج المُفكر الكبير الأستاذ رجائى عطية قضية التجديد فى الفكر والخطاب الدينى، مقدما بيانًا لمفهوم التجديد وإطاره وفروعه، وما يستلزمه التصدى لهذه الرسالة الهامة، من إلمام عريض باللغة وبعلم أصول الفقه ووسائل استنباط الأحكام من أدلتها، ليتلاقى مع حقيقة أن الإسلام بِنية حية تكفل التجديدَ وتتنادى به، منبها إلى أن الغاية هى التجديد وليس التبديل أو التشويه، ليعطف على مكانة المرأة فى الإسلام، مبينا ما انطوى عليه من تكريم للمرأة، ثم ليُنبه إلى أن القرآن كرم الرسل والأنبياء كافة.
ويجول المؤلف فى بحثٍ رصين، حول خطاب الدين فى الموسيقى والغناء، وتفرقته بين الفن والوثنية، واحترامه لتُراث الإنسانية، وكيف أن خطاب التجديد يسعى لتصحيح المفاهيم، ولبيان الفارق بين المبادئ العظيمة للإسلام وممارسات الجانحين، ليتعرض بعد ذلك إلى ارتباط الخطاب الدينى بمقاصد الشريعة فى حفظ النفسِ والعقلِ والدينِ والنسل، وإلى حقيقة مفهوم الجهاد فى الإسلام وعناية الإسلام بالأغيار، وكيف أن قوامة العلم والعدالة والمساواة والسماحة، ومنهجه الوسطية، ليختم بأن الدين محبة غايته سواء الأحياء وعمار الحياة.
وقال عن الكتاب الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى: الكتاب بهذه الصورة ليس موضوعا واحدا، وإنما هو موضوعات شتى وضع لها المؤلف هذا العنوان الذي يجمع بين الفكر والخطاب، وبين التجديد والتقليد، فضلا عما تشير إليه هذه المفردات وتستحضره فى أذهاننا كالتطرف والاعتدال، وحرية التفكير والتعبير.. وفى هذا كله يقف رجائى عطية موقفا حاول فيه أن يكون وسطا بين الاتجاهات المتعارضة لا ينحاز لواحد منها، ولا يعزل نفسه تماما عنها، وإنما يجتهد فى أن يكون حلقة وصل بينها. وهو موقف صعب اختاره رجائى لنفسه، وجسده فى نشاطه المهنى والفكري، وجمع فيه بين ثقافته القانونية التى حصلها فى كلية الحقوق وثقافته الدينية التى حصل بعضها فى الكلية على أيدي الأساتذة المختصين فى الشريعة الإسلامية، وحصل بعضها بجهوده الذاتية واستطاع بما حصله هنا وهناك أن يحتل مكانه فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عضوا من أعضائه. وبهذه الثقافة المزدوجة يتصدى رجائى عطية لمناقشة المسائل التى ناقشها فى كتابه وينجح فى إقناعنا بأن ما يطلبه العقل لا يتعارض بالضرورة مع ما يطلبه الدين الذى يجعل القيمة الأخلاقية هدفا للإنسان يسعى لبلوغه ويجعل العقل منارة يهتدى بها فى الطريق لبلوغ هذه الغاية، فالحق والخير صنوان، والعلم الذى يكشف لنا العالم يقربنا من المثل الأعلي.
ووفقا للناقد الكبير الدكتور يوسف نوفل: النظرية التى يطرحها المفكر رجائى عطية مقدما صفة «الفكرى» على صفة «الدينى»، وذلك لسببين، فيما أرى، السبب الأول: إعطاء «الفكر»، والنظر، والتأمل منزلته الجدير بها، والتى نص عليها القرآن الكريم فى أكثر من آية، ولهذا كانت له الأسبقية فى العنوان، وبالمثْل ينبغى أن تكون له الأسبقية فى التجديد.
السبب الثانى: أن الفكر يتضمن تنوعا كبيرا بين مجالاته التى لا تكاد تحد. يتضمن: الفكر الدينى النابع من الديانات الثلاثة، أولا، ويتضمن، ثانيا، الفكر العقدى، أو الأيديولوجى المتنوع بين اليمين واليسار، والانتماء واللا انتماء، والإيمان والإلحاد، ومن ثم تتلون وجوهه بتلون غاياته وأهدافه: الدينية: وعظية، وإرشادية،