كشف الناقد الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية، عن الأسباب التى جعلته يرى أن الشعر فقد دوره الإعلامى منذ بداية القرن العشرين، كما كشف أيضا عن رؤيته لمستقبل العصر فى ظل ما نعيشه وما نشهده من تطورات سريعة.
وقال الدكتور صلاح فضل، خلال تصريحات خاصة لـ"انفراد" إن أمير الشعراء أحمد شوقي كان يقول: كان شعرى العزاء فى مآتم الشرق وكان الغناء فى أفراحه، والمقصود من ذلك، أنه حينما كانت تقع حادثة ما، كان يكتب قصيدة، فكان الشعر حينذاك يقوم بدور الإعلام، لكن مع الحركة الوجدانية، تخلى الشعراء عن القضايا العامة واهتموا بالحب والأمور الذاتية، فلم يعد الشعر مثل الصحافة اليومية، حينما كانت القصائد تنشر فى صدر الصفحات الأولى، مثل ذهاب الملك إلى الحج، أو حادثة حريق فيكتب حافظ إبراهيم قصيدة، فحينذاك كان الشعر يحظى باهتمام الناس.
الشعر والحركة الوجدانية
وأضاف صلاح فضل: ولكن منذ 100 عام لم يقم الشعراء بهذه المهمة، فتحول الشعر لديهم إلى ذاتى، تأملاتهم وفلسفتهم ووعيهم وأشياء ذاتية خاصة، وإذا عبروا عن أشياء جماعية تكون وطنية مثل الاستقلال، من هنا تقلص حجم حضور الشعر فى المحافل العامة، وأصبح يتقلص حتى اقتصر الاهتمام على الشعراء أنفسهم، وخاصة حينما استغنى الشاعر عن الوزن والقافية، وأصبح شاعر تفعيلة أو قصيدة نثر، فأصبح القراء محدودون جدا.
وتابع صلاح فضل: لكن بقي الشئ الأساسي وهو الذى يحتفظ برواجه حتى يومنا هذا، وهو الشعر المغنى بين طبقات أبناء، فأصبح الغناء كأنه رأس جبل الثلج، وكأنه هو ما يظهر من الانتاج الشعرى برمته، وأصبح هناك مئات الشعراء ممن يكتبون الأغانى، وأصبح الشعر الغنائى رغيف الخبز اليومى الذى لا يستغنى عنه أى إنسان مهما كانت ثقافته عبر الغناء، فلا يمر يوم إلا ويسمع أى شخص ما يقرب من 20 أغنية، سواء كان الغناء باللغة الفصحى أو العامية الراقية.
أما عن مستقبل الشعر، فرأى الدكتور صلاح فضل، أنه الشعر سيظل دائما هو كنز اللغة، ومخزون أسرارها، لأنه يجدد ثلاثة أشياء، الخيال، والمفردات، ويسمى العواطف، فلولا الشعر ما عرفنا تسمية العواطف، وهو الذى يصف حالات الإنسان فى أعمق حالاتها، ويهز كيان البشر، فالإنسان إذا رأى حادثة ربما لا تؤثر فيه، لكن إذا قرأ قصيدة تؤثر فيه.
الشعر والفنون الأخرى
كما رأى صلاح فضل أن الشعر تسرب إلى الفنون الجميلة كلها، فأصبحت اللوحات التشكيلية إذا مدحت توصف بأنها شعرية، وأصبحت الأفلام السينمائية إذا وصلت إلى درجة عالية من الرقي، توصف بالشعرية، وحتى رقصات الباليه والأعمال المسرحية إذا تجلت فى أفضل حالاته توصف بذلك، فالشعر تسرب ليروي بمائه العذب بقية الفنون الجميلة كلها.
وتابع صلاح فضل: حتى فى عصر الصورة، ظل الشعر دائما، يرفرف على التشكيلات التصويرية باعتباره هو الذى يبرز روح الإنسان ولمعة عينيه، وخاطرة فكره، وهو الذى يخترق جمجمته إذا تأملانها، وتفتر شفتاه عن أنغامه إذا أحسن تصويرها، وأصبحنا عندما نصف شيئا بأنه بلغ الذروة فى الجمال، نصفه بالشعرية، والرواية ذاتها، التى قيل يوما أنها منافسة للشعر، لا تبلغ أجمل حالاتها إلا إذا وصفت بأنها شعرية.
وظيفة الشعر اليوم
وحول عودة الشعر إلى دوره، قال صلاح فضل: الشعر لم يتخل عن تاجه، ولا دوره الريادى لكن تغيرت وظائفه، فبعد أن كانت إعلامية نفعية اجتماعية مباشرة، أصبحت وجدانية وشعورية وروحية محلقة فى السماء، ورسول الشعر إلى عامة الناس الآن هو الأغانى، ولذلك إذا انحط مستوى هذه الأغانى فقد الشعر وظيفته فى الرقى بالمجتمع فالشعر هو مظهر الحضارة، وهو مجلى الإنسانية، وهو روح اللغة، ومجددها، وهو فى نهاية الأمر، عندما يعانق الموسقى، والأداء الجميل يصل إلى ذروة تاثيره فى البشر، من هنا كانت العناية بكلمات الأغانى هى عناية بالضمير الوطنى وبالوجدان القومى وبالهوية، التى تمتلكها كلها أمة.