يؤدى المسلمون حول العالم، هذه الأيام فريضة الصيام، احتفاء بحلول شهر رمضان المبارك، حيث يؤدون فريضة الصوم، أحد أركان الإسلام الخمسة، وسبق المسلمين فى الصيام عدد من الحضارات والثقافات الأخرى، وكان لكل حضارة طقوسها الخاصة التى فرضتها عليه بيئتها، ولعل الحضارة البابلية كانت أحد تلك الحضارات التى عرفت الصيام.
أما الدكتور عبد الحكيم الصادق الفيتوري فيقول في دراسته المهمة (الأديان... وفلسفة الصوم) المنشورة في موقع نقد معرفي: "عرفت أرض الرافدين الصيام من خلال أهل بابل، حيث كان أهل بابل يصومون قرابة ثلاثين يوما متفرقة من السنة يمتنعون فيها عن الطعام والشراب من الشروق إلى الغروب".
أما موسوعة مقاتل في الصحراء فقد جاء فيها عند الحديث عن الصيام عند غير المسلمين: "أن ديانة البابليين الكلدانيين، كانت ذات أثر مباشر على نمو العقائد الفكرية، في منطقتي بابل وآشور. وكان الصيام ركناً أصيلاً، في تشريعات تلك الديانة، فبقى بذلك عنصرًا في ديانات الأمم الصغيرة، المجاورة، فيما بعد".
وقد أورد الأديب الكبير عباس محمود العقاد - في موسوعته الإسلامية المجلد الخامس: بحوث إسلامية-، ما يؤكد شهرة صيام البابليين باعتباره من الشعائر التي دان بها سكانها الأصلاء قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، حيث قال: "وقد اشتهر الصيام البرهمي والبوذي منذ أقدم العصور التاريخية، مع تحريم أكل اللحوم كما هو معلوم، واشتهر مثله صيام البابليين والأشوريين على نحو قريب من البابليين الذي تعلمه منه اليهود أيام السبي، متابعة للشعائر الدينية التي جاء بها الرسل الأسبقون فيما بين النهرين، وأولهم سيدنا نوح - عليه السلام- على القول المشهور".
وقال الدكتور خزعل الماجدي، الباحث في علوم وتاريخ الحضارات والأديان، إن الصوم عند السومريين كان يستند إلى أساس تحريم نوع معين من المأكولات الحيوانية أو النباتية لأسباب ظاهرها ديني ترتبط بأسطورة معينة، أما الأسباب العميقة فكانت اقتصادية في محاولة للحد من استهلاك نوع من اللحوم أو النباتات وخصوصا أيام القحط والكساد، ولم يكن الصوم تقليدا ثابتا ودورياً.
ويوضح الماجدي أن الصيام كان معروفا وممارسا بشكل واضح من قبل بعض الملوك الآشوريين، إذ نقرأ في أحد تلك النصوص على لسان الملك أسرحدون وهو يصف حاله بعد الصيام جائعا، ويبدو أن إصراره على الاستمرار في الصيام ربما يعود إلى كونه من أكثر الملوك الآشوريين تدينا، كما تشير إلى ذلك العديد من الرسائل الملكية، ويبدو أن هذا الأمر دفع بأطبائه ومستشاريه من الكهنة إلى ضرورة التدخل للتوقف عن تواصل الأيام في صيام الملك أكثر من ذلك للحيلولة دون الاستمرار في تدهور صحته.