تمر اليوم ذكرى تأسيس عروس البحر المتوسط مدينة الإسكندرية، وذلك فى 7 أبريل عام 332 ق.م، حيث بدأ العمل على إنشاء المدينة على يد الإسكندر الأكبر، ووضع تخطيطها المهندس الإغريقى (دينوقراطيس) بتكليف من الإسكندر لتقع بجوار قرية قديمة للصيادين كان يطلق عليها راكوتا (راقودة).
تعتبرالإسكندرية وأبو قير من المدن الساحلية التراثية وقد نسجت حولهما الأساطير فيما روى عنهما المؤرخون والزوار من الإغريق والرومان والعرب وكانت المدينتان من المدن المتحفية التى كانت تضم آثار الغابرين الذين عمروهما وكانت هذه الآثار قائمة لكنها لم تتحد الزمن فوق الأرض.
ومن المعروف أن المدينة تم تأسيسها بعد ردم جزء من المياه يفصل بين جزيرة ممتدة أمام الساحل الرئيسى تدعى "فاروس" بها ميناء عتيق، وقرية صغيرة تدعى "راكتوس" أو "راقودة" يحيط بها قرى صغيرة أخرى تنتشر كذلك ما بين البحر وبحيرة مريوط، واتخذها الإسكندر الأكبر وخلفاؤه عاصمة لمصر حتى الفتح الإسلامى لمصر على يد عمرو بن العاص سنة 641.
ويقول المؤرخون أن مدينتى مينتوس المدينة الدينية وهيراكليون التجارية الغارقتين قد شيدتا إبان القرنين السادس والسابع قبل الميلاد وقبل مجى الإسكندر لأكثر من قرنين. وستظلان قابعتين تحت الماء ولن ينتشل منهما سوى الآثار التى يمكن رفعها ووضعها فى المتاحف.
ولقد تحدثت كتابات الأقدمين عن هاتين المدينتين التراثيتين باستفاضة وعن أهمية المنطقة التى كانت تضم موقعهما قبل أن تغمرهما مياه البحر بسبب ما يقال بزلزال، فلقد ذكرهما المؤرخ الشهير هيرودوت عام 450 ق.م، فوصف معبد إيزيس الشهير بمنتيس. وقد جاء ذكر هذا الموقع فى التراجيديات والأساطير الإغريقية ولاسيما فى قصة مينلاوس ملك إسبرطة الذى توقف فى مدينة هيراكليون أثناء عودته من طروادة ومعه الملكة هيلينا.
تقول رواية ينقلها ياقوت الحموى إن مَلِكًا (غالبًا يُقصَد به بيصر بن حام بن نوح) خلّف ولدين هما «إسكندر» و«فرما»، وورّث كل منهما جزءًا من مصر، فورِث إسكندر من شمالها قرب قرية تُدعَى راقودة، وورث فرما أرضًا فى شمال الصحراء الشرقية عند خليج السويس حاليًّا (خليج الفرما سابقًا).
بنى كلٌّ منهما مدينة حملت اسمه، وعندما أتم إسكندر البناء قال فى تواضع: «هذه مدينة الإسكندرية، فقيرة إلى الله، غنية عن الناس»، فكافأه الله بأن جعلها عامرة غنية آمنة، تموج شوارعها بالحركة ويعلو فيها البنيان. أما فرما فانتهى من البناء وقال: «هذه مدينة الفرما، غنية عن الله، لكنها فقيرة عن الناس»، فعاقبه الله بأن أسكنها الخراب وجعل البناء يسقط فيها كل يوم.
الرواية الأخرى تذكر أن الإسكندر بلغ قرية راقودة فأعجبه موضعها، فأمر المساحين والبنائين فخططوا المدينة بالأحبال وحفروا عند كل موضع بناء أساسه، وعلقوا فى الحبال أجراسًا، وانتظروا أن ينظر المنجمون النجوم ليختاروا نجمًا للطالع الحسن، حتى إذا ظهر جذبوا الحبال فتُصلصل الأجراس، فيلقى البناؤون أحجارهم ويبدأ تشييد المدينة.
وبينما ينتظرون، هبطت بعض الطيور ووقفت على الأحبال فاهتزت الأجراس، فحسب البناؤون أن النجم قد طلع فبدؤوا فى العمل، وكان هذا وقت طلوع نجم آخر غير صاحب الطالع الحسن. فلما علم الإسكندر قال: "أردت عمرانها وأن تبقى إلى الأبد، لكن الله أراد سرعة خرابها وهلاكها".
أما الرواية الثانية فتكاد تطابق رواية بناء القاهرة، بما فيها من حبال ومنجمون وانتظار للطالع، بل وتفسير لسرعة الخراب، فقط هنا تحولت القاهرة إلى الإسكندرية، وتحول جوهر الصقلى إلى الإسكندر الأكبر، والأرجح أن القصة ظهرت فى وقت كانت تعانى المدينة حالة من الاضمحلال أو الخراب.
فتقول رواية نقلها المقريزى إن الإسكندر حين بلغ راقودة وأراد بناء مدينته على موقعها، علم أن أهل القرية لا يخرجون ليلًا قط، فسأل عن ذلك، فعرف أن من خرج ليلًا خطفته شياطين البحر.
فلما بدأ فى البناء كان يبنى نهارًا ويوقف العمل ليلًا، فيصبِح ليفاجأ بما بناه قد تكسر وتخرب. ففكر فى حيلة لمعرفة السر وراء ذلك، فأمر بصنع تابوت من الزجاج والخشب، وألصق فراغاته بالقطران، وجعل فى أسفله الرصاص، وربطه بحبل ثم دخل فيه، وأمر رجاله أن يدلوه فى البحر.
وبينما هو ينظر تحت الماء وجد الشياطين والمسوخ ووحوش البحر قد أقبلت، ومعها معاول وفؤوس لتخرب ما بُنِيَ، فلما خرج من الماء وجاء النهار، أمر بعمل تماثيل وصور على هيئات هذه الكائنات، ووضع فى يد كلٍّ منها فأسًا أو مِعوَل، وجعل موضعها فى مواجهة البحر مباشرة.