نزل القرآن الكريم، على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، هدى للناس، وبيانات من الفرقان، وكان معجزة النبى قبل أكثر من 1400 عام، فكلماته العذبة ومعانيه الرائعة وتجسيداته البلاغية، أسرت القلوب قبل العقول.
ونجد فى القرآن الكريم العديد من الآيات التى حملت تصويرًا بلاغيًا، وتجسيدًا فنيًا بليغًا، ومفردات لغوية عذبة، تجعلك تستمتع بتلاوة كلمات الله التامات على نبيه، ووحيه الأخير إلى الأمة، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (سورة الجاثية الآية: 23).
وقد قدم الله تعالى السمع على القلب هنا بخلاف آية سُورة البقرة {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} [البقرة : 7] لأن المخبَر عنهم هنا لما أخبر عنهم بأنهم اتخذوا إلههم هواهم، فقد تقرر أنهم عقدوا قلوبهم على الهوى فكان ذلك العَقد صَارفاً السمع عن تلقي الآيات فَقُدِّمَ لإفَادةِ أنهم كالمختوم على سمعهم، ثم عطف عليه {وقلبِه} تكميلاً وتذكيراً بذلك العقد الصارف للسمع ثم ذكر ما {على بصره} من شبهِ الغشاوة لأن ما عقد عليه قلبه بصره عن النظر في أدلة الكائنات.
وبحسب تفسير الطبرى: وقوله (وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) يقول تعالى ذكره: وطَبَع على سمعه أن يسمع مواعظ الله وآي كتابه، فيعتبر بها ويتدبرها، ويتفكر فيها، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهدى، وقوله (وَقَلْبِهِ) يقول: وطبع أيضًا على قلبه، فلا يعقل به شيئا، ولا يعي به حقا.
وقوله (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) يقول: وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله، فيستدّل بها على وحدانيته، ويعلم بها أن لا إله غيره.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (غِشَاوَةً) بكسر الغين وإثبات الألف فيها على أنها اسم، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (غَشْوَةً) بمعنى: أنه غشاه شيئا في دفعة واحدة، ومرّة واحدة، بفتح الغين بغير ألف، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.