يعد الإمام يحيى بن معين، أحد كبار علماء الحديث، وهو إمام الجرح والتعديل، شيخ المحدثين وهو عالم حديث نبوي سني المذهب.
ولد في خلافة أبي جعفر، أصله من الأنبار، ونشأ ببغداد، كان أبوه من نبلاء الكتاب وكان على خراج الري وترك لابنه يحيى ألف ألف وخمسين ألف درهم أنفقها كلها يحيى على الحديث. رفض الدنيا وأقبل على جمع السنن والعناية بها فكتب وحفظ وأملى وانتقد حتى أصبح مرجع المحدثين في عصره وشهد له الأعلام بالتقدم والسبق في ذلك.
وهو أسن الجماعة الكبار، الذين هم: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة، فكانوا يتأدبون معه، ويعترفون له.
قال ابن المديني ما أعلم أحداً كتب ما كتب يحيى وجدت عنده كذا وكذا سفطا وسمعته يقول كل حديث لا يوجد في هذه ـ وأشار بيديه إلى الأسفاط ـ فهو كذب. وسمعته يقول كتبت بيدي ألف ألف حديث. وقال القاسم بن سلام: انتهى العلم إلى أربعة: أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له.
وأحمد أفقههم فيه. وعلي بن المديني أعلمهم به، ويحيى بن معين أكتبهم له ـ وقال أحمد: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال ـ وقال أبو سعيد الحداد: الناس كلهم عيال علي ابن معين ـ وقال محمد بن رافع سمعت أحمد يقول: كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث.
وروى عن أحمد أيضاً أنه قال: السماع من ابن معين شفاء لما في الصدور ـ وقال أيضاً هنا رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن يظهر الله به كذب الكاذبين وقال العجلي: "ما خلق الله لهذا الشأن إلا ابن معين ولقد كان يجتمع مع أحمد وابن المديني ونظرائهم فكان هو الذي ينتخب لهم الأحاديث لا يتقدمه أحد. ولقد كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقلبت فيقول هذا الحديث كذا وكذا فيكون كما قال".
كان ابن معين رحمه الله من أئمة الجرح والتعديل، وكان من عناية هؤلاء الأئمّة أن يجمعوا حصيلة بحثهم ودراستهم عن الرجال فيفردون للثقات كتبا كما يفردون للضعفاء كتبا أخرى.
ولم تكن هذه الكتب تعني مجرد جمع الأخبار وتصنيفها، إنّما هي أحكام في غاية الدّقة والتمحيص الشديد والتحري الزائد، إذ كانوا يراقبون الله في كل لفظة أو إشارة مخالفة أن يجرحوا عدلا أو يوثقوا مجروحا، فإذا كان حال الراوي يتضح بوصف اكتفوا به ولم يضيفوا إليه آخر، وهذا هو الذي أدى إلى هذا الاختصار الشديد في تراجم الرجال بين الطبقة المتقدمة خاصة.
توفِّي يحيى بن مَعِين بالمدينة في ذي القعدة، سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، ودفن بالبقيع.