نلقى اليوم الضوء على واحد من أهم الكتب التراثية هو "الكتاب" للعلامة سيبويه، والذى صار عمدة في كتب اللغة بعد ذلك لا يستغنى عنه باحث أو طالب علم، وهو أول كتاب نحوى وصل إلينا.
والكتاب يجمع فيه عدداً من علوم العربية مثل النحو والصرف، والأصوات اللغوية، وغيرها، وأغلب الظن أن سيبويه اعتمد في كتابه على مصادر سبقته، إذ من المستبعد أن يظهر كتاب ضخم ككتاب سيبريه دفعةً واحدة دون أن يكون قد سبقه كتب أخرى أقلّ منه حجماً، أو موضوعات، أو أبواباً أو تفصيلاً، أو غير ذلك.
والكتاب فيه نقل عن علماء كثيرين، منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي حفل الكتاب بأقواله وآرائه، فعندما ترد عبارة "سألته"، أو "قال" أو "أنشدنا"، فإنما يعني الخليل، ومنهم يوسف بن حبيب البصري، وأبو الخطاب الأخفش، وعيسى ابن عمرن وأبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن أبي إسحاق، والأصمعي، وأبو زيد.
والكتاب ليس فيه مقدمه ولا خاتمة، وقد اتسم بما يلي:
أولاً: الاستشهاد بالقرآن الكريم، وهو دون شك القمة في الفصاحة والبلاغة
ثانياً: عدم الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف إلا قليلاً ولعل ذلك يعود إلى أن بعض الأحاديث ثقلت بمعناها لا بلفظها، ولهذا السبب لم يستشهد به بعض النحاة، والدراسات اللغوية أثبتت صحة الاستشهاد به
ثالثاً: الاستشهاد بأشعار شعراء عصر الاحتجاج، وهي نحو ألف شاهد والاستشهاد أيضاً بأمثال العرب، وكلام العرب الفصحاء.
خامساً: إيجاز العبارة وغموضها بحيث يحتاج القارئ في أحيان كثيرة غلى أن يقف عندها طويلاً ليعرف المعنى الذي يريده سيبويه.
سادساً: افتقاده إلى الترتيب المنظم في الأبواب فقد بدأه بباب علم الكلام من العربية، ثم باب مجازي الكلام من العربية، فباب المسند والمسند إليه، فباب اللفظ للمعاني، فباب ما يكون في اللفظ من الأعراض فباب الاستقامة من الكلام والإحالة، فباب ما يحتمل الشعر، فباب الفاعل الذي يتعده فعله إلى مفعول، والمفعول الذي لم يتعد إليه فعل الفاعل، ولم يتعدّه فعله إلى مفعول آخر.
سابعاً: عرض القاعدة وأمثلتها ممزوجة بالتعليلات وبيان وجه القياس مع عرض الآراء المختلفة في موضوع بحثه، وتفضيل بعضها على بعض، وافتراض فروض يضع، لها أحكامها في بعض الأحيان.
ولأهمية هذا الكتاب وللمكانة التي يتمتع بها مؤلفه اعتنى الدكتور اميل يعقوب بخدمة طبعته التي بين أيدينا معتنياً بتخريج الشواهد الشعرية الواردة فيه، وبإعرابها وبتخريج الأمثال وغيرها، كما وأضاف بعض الاستدراكات والإضافات والشروحات، وأثبت في صدر الكتاب مقدمة تناول فيها حياة سيبويه وشيوخه وأقرانه وتلاميذه، ومناظراته، وأقوال العلماء فيه، وكتابه، وشروحه ومختصراته وطبعاته.
وسِيبَوَيْه (148 هـ - 180 هـ) هو عمرو بن عثمان بن قنبر، يُكنى أبو بشر، ويلقب بسيبويه، وهو إمام النحاة، وأول من بسّط علم النحو، أخذ النحو والأدب عن الخليل بن أحمد الفراهيدي ويونس بن حبيب وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر، وورد بغداد، وناظر بها الكسائي، وتعصبوا عليه، وجعلوا للعرب جعلا حتى وافقوه على خلافه، وأبرز آثاره: الكتاب.