تمر، اليوم، الذكرى الـ896 على ميلاد الفيلسوف المسلم الوليد ابن رشد، إذ ولد فى 14 أبريل 1126م، بقرطبة فى الأندلس، وهو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضى وفلكى وفيزيائى عربى مسلم أندلسى، نشأ فى أسرة من أكثر الأسر وجاهة فى الأندلس والتى عرفت بالمذهب المالكى، حفظ موطأ الإمام مالك، وديوان المتنبى.
ساهمت شروح ابن رشد فى ازدياد تأثير أرسطو فى الغرب القروسطى، فى أوروبا القروسطية أثرت مدرسة ابن رشد المعروفة بالرشدية فى الفلسفة تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين.
ومن العلماء اللاتينيين الذين تأثروا بابن رشد القديس توما الاكوينى'، حتى إن بعضهم وصف هذا الأخير بأنه الحوارى الأول للشارح الكبير ابن رشد، ويرى عالم الفلك الأمريكى ''هنرى درابر'' أن ابن رشد هو أول من وصف الشمس بأنها ''بقع داكنة تدور بين فترة وأخرى على سطح الشمس'' في مؤلفه ''كتاب الفلك''·
وقال عنه المؤرخون إنه واحد من كبار المفكرين والعلماء فى القرن الثانى عشر ويتجلى التأثير القوى لابن رشد على الحركة الفكرية فى أوروبا فى الاعتماد على بحوثه وكتاباته على مدى خمسة قرون، وأنه باقتضاب الفيلسوف العالمى الذى لا يشق له غبار.
وبحسب كتاب "ابن رشد.. فى مرايا الفلسفة العربية الحديثة" الصادر عن مركز مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث للدكتور أشرف منصور، كان لابن رشد أثر بالغ وعميق فى الفكر الأوروبى فى أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة، وقد انتشرت الدراسات المتخصصة التى ترصد الحضور الرشدى فى أوروبا بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر، وبات مستقراً لدى الباحثين وجود تيارات رشدية ثلاثة فى هذه الفترة، الرشدية اللاتينية والرشدية النهضوية والرشدية اليهودية، وكانت الرشدية بكل تياراتها محل اهتمام السلطات الكنسية التى ظلت تلاحق الرشديين وأفكارهم بالحظر والإدانة طوال أربعة قرون، وفى مقابل هذا الحضور الطاغى للفكر الرشدى فى تلك القرون، فإن فلاسفة أوروبا المحدثين، ابتداءً من القرن السابع عشر، كانوا صامتين تماماً إزاء ابن رشد، وكأنه اختفى فجأة من الأفق الفكرى الأوروبى، فهل كفت الفلسفة الرشدية عن الحضور والتأثير فى أوروبا ابتداءً من القرن السابع عشر؟".
تثبت هذه الدراسة أن ابن رشد ظل مؤثراً وبصورة عميقة فى فلاسفة أوروبا المحدثين، سواء كان هذا الأثر بالإيجاب عن طريق اتخاذ الأفكار الرشدية صوراً جديدة لدى بعض الفلاسفة، أهمهم سبينوزا وسليمان ميمون وفويرباخ، أو بالسلب عن طريق مقاومة البعض الآخر للأفكار الرشدية وإنه على نحو غير صريح يسكت عن ذكر ابن رشد نفسه، كما فى حالة ديكارت، أو بمحاولة تجاوز الأفكار الرشدية وإشكالياتها دون التصريح بمصدرها الرشدى كما فى حالة كانط.