رائد الفكر الفلسفى الإسلامى، وأول أزهرى يتولى مشيخة الجامع الأزهر، وحمل راية التنوير والإصلاح الدينى، كما أنه تولى وزارة الأوقاف 8 مرات، هو الشيخ مصطفى عبد الرزاق، الذى يوصف بأنه مجدد للفلسفة الإسلامية فى العصر الحديث.
ولد الشيخ مصطفى عبدالرازق فى عام 1885م، فى قرية أبو جرج بمحافظة المنيا، ونشأ فى كنف والده "حسن عبدالرازق" الذى كان عضوا بالمجالس شبه النيابية التى عرفتها مصر منذ عصر الخديوى إسماعيل، وكذلك من مؤسسى جريدة "الجريدة وحزب الأمة".
بدأ مصطفى عبد الرازق حياته مع حفظ القرآن الكريم، وعندما أتم العاشرة انتقل إلى القاهرة، حيث التحق بالأزهر ليحصل العلوم الشرعية واللغوية، فدرس الفقه الشافعي، وعلوم البلاغة والمنطق والأدب والعروض والنحو وغيرها، وبدأ يتردد منذ سنة 1903م على دروس الإمام محمد عبده، فأصبح من تلاميذه.
بدأ الشيح مصطفى عبدالرازق حياته العامة بعد حصوله على شهادة العالمية من الأزهر "درجة البكالوريوس" فى عام 1908م، فشارك فى الجمعيات العلمية والأدبية، وفى عام 1911م سافر إلى باريس لاستكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة السوربون لدراسة اللغة الفرنسية، ثم انتقل إلى "جامعة ليون" ليدرس أصول الشريعة الإسلامية.
ليعود إلى مصر فى 1914م، بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ليعين موظفا فى المجلس الأعلى للأزهر، ومفتشا بالمحاكم الشرعية، ثُم مدرسا للفلسفة ﺑالجامعة المصرية، ثُم وزيرا للأوقاف مرتين، ثم عين شيخا للأزهر خلفا للشيخ فى 1945م.
كان الشيخ صاحب فكر تنويرى غير متعصب، كان يعلم الدين بهدف إسعاد البشر وليس للتعقيد والتنافر، فنجده انتقد المستشرقين ودافع عن حضارته ومنجزها الفكرى والفلسفى، حينما قالوا: إن الحضارة الإسلامية فقيرة أخذت عمارتها من الأمم السابقة كما أخذت فلسفتها من اليونان لتبنى على وجهة النظر، هذه نظرية تقول إن العرب لا يفكرون، وإنهم ليسوا أصحاب حضارة ليتم تبرير التوجه الاستعمارى بحجة أنه يرفع من شأن البلاد التى يحتلها المحتلون.
فجاء رد الشيخ على ذلك قائلا: إن الفلسفة الإسلامية ليست تلك التى نجدها عند ابن سينا والفارابى، ولكنها تكمن فى منجز العرب المسلمين فى علم الكلام ومصادر فلسفة التشريع الإسلامى، وبذلك أسس ما عرف بعد ذلك بالفلسفة الإسلامية التى يدرسها العالم حتى الآن تحت هذا التعريف.
أما عن علاقة الدين والفلسفة فهى قضية شائكة كما يرى الكثيرون، لكنها أبدا لم تكن مستعصية على الشيخ، حيث قال فى هذا الشأن إن الدين والفلسفة يبتغيان سعادة البشر، غير أن الدين يقوم على التصديق والإيمان ومصدره القلب، بينما الفلسفة تقوم على النظر والفكر ومصدرها العقل، لذلك فهما متفقان فى الغاية مختلفان فى الوسيلة، ولا يجوز أن نخلط بينهما ولا أن نفسر الدين بالفلسفة، وإنما يبغى أن ننظر إلى كليهما باستقلالية عن الآخر.
كما كان للفن والفنانين قدرا خاصا لدى الشيخ الجليل، ولعل علاقته بكوكب الشرق أم كلثوم تؤكد ذلك، فكان يقول إن الفن يفيد الإنسان فى البحث عن قيم الحياة، وأن الفن يزرع السمو فى نفوس البشر.
وتميز الشيخ مصطفى عبدالرازق بوطنيته، ففى الوقت الذى يوجد هناك العديد من المتشددين أصحاب الفكر المنغلق ينتقدون الاحتفال بالأعياد القومية مطالبين الاقتصار على الأعياد الدينية فقط، فيقر الشيخ حق الأمم فى أن تكون لها أعياد قومية تنمى الشعور الوطنى لأن حب الوطن من الإيمان.
كما كان الإمام يؤمن بمطالب المرأة بالحرية والعمل، كما هاجم الشيخ الجليل حلقات الذكر التى يقيمها رجال الطرق الصوفية، كما أعطى مثالا واضحا فى عدم العنصرية وتقبل الآخر، لدرجة أنه كتب مقدمه كتاب «موسى بن ميمون.. حياته ومصنفاته».
وعبر مسيرته الطويلة كتب العديد من المؤلفات، فكتب دراسة صغيرة أدبية عن البهاء زهير الشاعر المعروف، وأصدر كتابه «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية»، كما كتب «فيلسوف العرب والمعلم الثانى، والإمام الشافعى، والشيخ محمد عبده»، وغيرها الكثر ليرحل عن عالمنا فى عام 1947م.