بدعوة من نادى الأدب المركزى فى محافظة جنوب سيناء وبرعاية من إقليم القناة وسيناء الثقافى تم تنظيم عدد من الفاعليات الثقافية فى مدينة الطور التى ذهبت إليها لمتابعة الحركة الأدبية هناك ومقاربتها نقديا مع التركيز على بعض الأعمال الأدبية وأبرزها ومتابعة الأنشطة الثقافية التى تتم ضمن فاعليات شهر رمضان وأمسياته الجميلة، ولا يمكن أن أصف ما رأيت إلا بأنه كان مفاجأة عظيمة وممتعة لعدد من الأسباب، أولها أن هناك حركة أدبية جيدة وأنشطة متميزة وأعمال أدبية وإصدارات معتبرة متنوعة بين شعر العامية والفصحى والمسرح والقصة القصيرة والرواية، فيمكن أن نقول بتوافره الأنواع الأدبية كافة وفى نماذج متميزة وأعمال مهمة، فقدمت قراءات نقدية فى ديوان من شعر العامية للشاعر خضر إسماعيل عنوانه سد الرمق، وكذلك مسرحية أم الدنيا للكاتب المسرحى حسن الإمام ومسرحية أخرى بعنوان شركة التعاسة للكاتب المسرحى والروائى خيرى عبد العزيز، وأعمالا أخرى فى القصة القصيرة لكل من عبد الله عشماوى وعلى عيسى ومن الشعراء الشباب قرأت مجموعة شعرية للشاعر الشاب عبد الله حلمى واستمعت لأمسية شعرية ألقى فيها عدد من الشعراء أعمالهم.
وفى حوالى الساعة أو أقل قليلا قدمت قراءة نقدية فى بعض هذه الأعمال حيث تناولت أبرز القيم الجمالية والدلالية فى مسرحية أم الدنيا للكاتب حسن الإمام وهى مسرحية ذات طابع تجريبى وتنتمى لمسرح الشارع، وفى هذا الجانب قدر من التوفيق الكبير لأن المسرحية تقارب من حيث الموضوع أزمة حكم الإخوان لمصر ومحاولتهم الاستيلاء عليها، وقد عالجت المسرحية هذه الإشكالية بأن سمحت لأصوات الشخصيات التى هى من الشارع بأن تعبر عن عظمة مصر وتأبيها وصعوبة الاستيلاء عليها، وأن تاريخها العميق يجعلها عصية على كل محاولات تزييف التاريخ، وهذا الميل إلى مسرح الشارع دال على دقة اختيار الكاتب وبراعته فى أن يجعل هناك مناسبة أو توافقا بين الشكل والمضمون، لأن مسرح الشارع هو الأقرب للتعبير عن روح الشعب وهو المعبر عن التيار العام والأقرب لأن يكون تمثيلا دراميا لروح الإنسان المصرى وعموم الشعب الذى ظهر فى الرواية رافضا لمحاولات تزييف تاريخ مصر أو سحبها بعيدا عن مسارها الوسطى المعتدل، وأن الشعب هو الحافظ والحامى للهوية الوطنية، فكانت هذه الأنماط الإنسانية والشخصيات التى يستعين بها النص المسرحى معبرة عن كافة فئات الشعب وعن الطبقة المتحركة تحديدا، لأن الشارع هو مكان الحراك والحيوية الشعبية، ومثلما كانت الثورات هى التى قادت الإخوان إلى الحكم، فالشارع والإنسان المصرى هى نفسها العوامل التى أزالتهم من الحكم فى 30 يونيو وهكذا يمكن القول بأن مسرحية أم الدنيا كانت تؤشر نحو حالة 30 يونيو وتصحيحها للوضع السياسى فى مصر، وهى برغم كونها مسرحية سياسية لكنها ذات قيمة فنية قائمة على الاستعراضات والأوبريت أو الأغنية الجماعية التى ينصهر فيها التاريخ الفرعونى وشخصياته البارزة مثل إيزيس مع الشخصيات المعاصرة، وكأن المسرحية كانت مجمعا للإنسان المصرى قديما وحديثا على إرادة واحدة وهى تخليص مصر من الإخوان.
أما مسرحية خيرى عبد العزيز شركة التعاسة فهى من النوع الذى يمكن وصفه بأنه اجتماعى أو قوامه الدراما الاجتماعية، يقارب حالات الحب والرغبة والطموح فى العشق وإشكالية التشبع العاطفى لدى بعض الأزواج الذى لا يمكن أن يكتفى بزوجته التى يحبها ويبحث عن أخرى، وتتشكل هذه المسرحية من صوتين فقط، هما آدم وحواء وفى التسمية دلالة كأنها قصة الحب الأول فى التاريخ، والطريف أن هذه المسرحية التى يبحث فيها الاثنان عن الحب تكون اسمها شركة التعاسة فى دلالة على قدر ما يسيطر عليها حقيقة من الخيبة والضياع، وهذه المفارقة فى العنوان يجسدها المتن السردى للمسرحية التى تشتغل على تحولات درامية كثيرة برغم محدودية موضوعها لكنها على قدر كبير من الحيوية وفيها منعطفات كثيرة استثمرها خطاب المسرحية للتشويق مثل فكرة مفاضلة حواء بين رجلين يحبانها لكنهما يختلفان فى الشخصية والأسلوب وينتظر حبيبها أن تحسم الأمر كما لو كان ينتظر حكم محكمة يغير حياته، وقوام المسرحية حالة من الجدل والمحاججة المنطقية والصراع الفكرى بين الشخصيتين اللتين تعرضان تصوراتهما عن الحب والسعادة، ويبدو فضاء المسرحية متسعا برغم محدودية الأشخاص فيمكنها أن تستعدى شخصيات أخرى عبر إحضار ظلالها إلى الموضوع وليس الشخصية نفسها كما نجد مع الحبيب الآخر أو مع شخصية الزوجة، والحقيقة هما نصان مسرحيان يدلان على قدر كبير من المقدرة الأدبية والتميز الإبداعي.
وقرأت عددا من الأعمال الأخرى مثل رواية رسائل إلى إيلينا للكاتب عبد الله عشماوى خلاف والمجموعة القصصية الجرجير فلسفة للكاتب على عيسى وديوان شعرى للشاعر الشاب عبد الله حلمي، وجاءت رواية عبد الله عشماوى معتمدة على تقنية المراسلات وهو ما جعلها تتسم بالحيوية والطابع الجدلى وتعدد الأصوات والحركة فى اتجاهات عدة، كما أنها رواية ذات طابع تأملى ولغتها شعرية ذات صور خاصة وقدرات تصويرية تجعلها ذات طابع تجريبى وطاقات شعرية واضحة، وفى اللغة فى ذاتها كثير من المتعة التى لا تقل عن ما فى جدلية العلاقة بين البطل وإيلينا من المتعة، كما فيها مستويات عدة للزمن، ففيها الاسترجاع أو الذكريات، وفيها كذلك الاستباق وإن هيمن زمن الراهن أو زمن كتابة الرسائل فى النهاية أو كانت له الغلبة والاستحواذ. كما جاءت قصص على عيسى معتمدة على نماذج إنسانية ترتبط بالحياة وابنة الواقع أو الحياة الشعبية وبعض المناطق المزدحمة من الشخصيات فى الأماكن العامة أو فى الأسواق، وبعض القصص غلفتها حالات من الرومانسية الشفيفة وروح البراءة والشغب الاجتماعى والبحث عن السعادة أحيانا، وهى فى المجمل قصص ابنة الحياة وتتأسس على نماذج إنسانية نابضة وحيوية.
كما قدمت قراءة فى الديوان الشعرى سد الرمق للشاعر الكبير خضر إسماعيل وهو ديوان شعرى حافل بالشعرية والمتعة ويعتمد على الإيقاع ويحتفى بالثراء الصوتى والتناغم الموسيقى كما أنه ضم عددا من القصائد ذات الطابع الوطنى وكذلك قصائد أخرى تعمد على تقنيات خاصة بالحب أو حالات جديدة من الحب أو نموذج الصعلوك العاشق وهى نصوص ممتعة يبدو الشاعر فيها باحثا عن المستحيل أو ساعيا نحو طموح عَصى وهو ما يشكل حالة من المفارقة والصراع، وكنت كذلك قد أشرت إلى مجمل المشروع الشعرى للشاعر خضر إسماعيل وارتباطه بمدرسة شعر العامية المصرية الراسخة وبخاصة أعلامها الكبار بداية من بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى وسيد حجاب وأشرت إلى تميزه بما يمكن تسميته بشعر المقاومة الذى يقوم على مقاربة نصوص الحرب ونماذجها أو أبطالها من المصريين فى أوقات حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة، والحقيقة هو فى المجمل شاعر صاحب مشروع ثرى جماليا ودلاليا وغنى بالمتعة والمعرفة، فهو متميز على مستوى الشكل والمضمون وقد كان من الأصوات الشعرية المبشرة واللافتة منذ التسعينيات ومنذ ديوانه الأول نايات للزينة مش للعزف المنشور عام 2000 وكذلك قصيدته بتارين المنشورة فى جريدة أخبار الأدب فى منتصف التسعينيات.
ومن الفاعليات الجميلة وذات الطابع الإنسانى التى شهدتها فى قصر ثقافة مدينة الطور احتضان أدباء جنوب سيناء والمسئولين فيها للأطفال ذوى القدرات الخاصة وجعلهم يشاركون فى إلقاء الشعر أو فى تأدية بعض العروض الفنية المهمة التى تبرز مواهبهم وأصواتهم وقد أدوا بعض الأناشيد الدينية والقصائد وأكد مدير القصر الأستاذ أحمد فريك أن هناك مشروعا لتطوير مسرح مدينة الطور والسينما الصيفى فيها وتجديدهما بشكل كامل وأنه سيكون هناك توسع أكبر فى الأنشطة الثقافية والفاعليات ذات الطابع التنويرى والأعمال الأدبية المميزة.
وبالإضافة إلى هذه الفاعليات الثقافية والأدبية خرجت فى جولة فى مدينة الطور العظيمة وتجولت فى ممشى أهل مصر على الكورنيش وشط القمر الشهير وكذلك الجبيل ورأيت جمال المبانى وتنوعها بين الحديث والقديم والريفى والحضري، وكذلك تجولت فى بعض المناطق الكثيرة فى المدينة وذهبت إلى حمام موسى ورأيت جمال المدينة وسحرها وتاريخها وكيف يحتضن البحر والجبال المدينة ويمنحانها طقسا مميزا، بالإضافة إلى كل هذا رأيت قدر نظافة المدينة التى شعرت وأنا أتجول فى شوارعها النظيفة المزينة بالأشجار كما لو أنها حرم جامعى كبير فى غاية الجمال والروعة ومازالت أعمال التجديد فى المدينة مستمرة بما يجعلها فى غاية الإبهار والروعة، فيتكامل فيها جمال البشر والحجر وعبقرية الإنسان والمكان.