"يا عينى يا مصر.. رؤية ساخرة"، والكتاب على الرغم من كونه صغير الحجم إذ يقع فى 21 صفحة من القطع الصغير، ويتكون من ثلاثة فصول بعناوين "تجربة بيروقراطستان، المأزق، يا عينى يا مصر"، إلا أنك تستشعر الروح الغاضبة من المؤلف منذ سطوره الأولى.
الكتاب صادر عن دار "دوّن" وفيه أوضح نبيل فاروق، أنه شرع فى كتابته بعد مروره بأزمة صحية مكنته من اكتشاف الكثير من السلبيات داخل المجتمع المصرى، فإنه لم يكن ليكتشف أن مصر بها حوالى 3 ملايين حالة فشل كلوى سنويا يتكبدون معاناة مادية وصحية كبيرة حتى يتمكنوا من تلقى العلاج إلا عندما أصيب بفشل كلوى وفكر فى زراعة كلى جديدة لرفضه إجراء غسيل كلوى، نظرًا لما يسببه من مشاكل صحية فى المستقبل، ولكنه فوجئ بأن هناك عددًا هائلا من المصريين على استعداد لبيع كليتهم مقابل حفنة أموال قليلة.
والمعروف عن الدكتور نبيل فاروق إبداعه الكبير فى الروايات البوليسية والتشويقية مثل "رجل المستحيل وملف المستقبل" وغيرها من الكتابات التى لقيت شهرة كبيرة لدى المراهقين، لكنه فى هذا الكتاب يخوض أرضا جديدة تقوم على تأمل الهم المصرى والوجع الذى يكاد من فرط قسوته أن يصبح مضحكا لأنه لا حل سوى الضحك.
والكاتب يرصد أماكن ومقاهى مخصصة لاستيعاب مئات المتبرعين العاطلين والراغبين فى الحصول على المال بدون عمل، وقد رفض الكاتب هذه الطريقة وفضّل نشر إعلان بالصحف وبالفعل عثر على المتبرع المثالى إلا أنه دخل فى أزمة بيروقراطية جديدة لطول الإجراءات الروتينية المطلوبة لإجراء العملية.
وعدد الكاتب منذ السطر الأول مساوئ وسلبيات تحدث فى مصر على ملأ منا دون أن نحرك ساكنًا، فيلقى الضوء على الخصخصة وصفقات "بيع مصر" قطعة قطعة، والتى تمثل من وجهة نظر المؤلف أكبر عملية فساد علنى حكومى وسط لامبالاة بالشعب وأموال الشعب ومستقبل الشعب، فالمصانع والشركات تم تقييمها بأقل من سعر الأرض المقامة عليها، وبيعت رسميًا ونحن نتفرج وعينى عينك، ولسنا ندرى حتى أين يذهب ثمنها، مع أن المسئولين يشتكون ليل نهار من الفقر ونقص الموارد.
ولعل التساؤل الأكثر إلحاحًا لدى الكاتب هى ظاهرة خلو مصر من الكفاءات القادرة على إحداث تغيير حقيقى وإبعاد الكفاءات عن الظهور الإعلامى وكأن مصر خالية من الكفاءات المناسبة التى تستطيع إحداث نقلة نوعية للمجتمع فى مقابل تعظيم الفاسدين فى شتى نواحى المجتمع بهدف قتل روح التغيير فينا.
إن كتاب " يا عينى يا مصر.. رؤية ساخرة" قدمت بشكل جميل وجديد وذلك لرصد مآسٍ اجتماعية وسياسية واقتصادية تحدث فى مصر, وإذا كان هذا اتجاهاً جديداً ومتميزاً من الدكتور نبيل فاروق إلا أنه ليس أول من كتب فى ذلك، فقد سبقه كثير من الكتاب إلى هذا الاتجاه ولكنه يبقى له أثره شارك به.