إن أستاذ الجامعة حامل راية التطوير فى المجتمع، لأن بيده شعلة التنوير وبناء الإنسان، ومصر تعيش اليوم مرحلة بناء الإنسان على المستوى الرسمى والمستوى الشعبي، لذا فإن دور الأستاذ عظيم، وذلك انطلاقا من كون الجامعة هى معقل العلم منذ سنة 1908، ولها تاريخ مشرف فى خلق الوعي، وصناعة أجيال من المثقفين الفاعلين فى المجتمع، كما أن المجتمع لا يزال يحتفظ بمكانة معنوية للأستاذ الجامعى، إيمانا بدوره وقدرته على التأثير.ومؤخرا تحدثت مع عدد من الأساتذة فى الجامعة والمهتمين بالبحث العلمي حول الترقيات فى الجامعة وقد كان حديثا ذا شجون.
الجامعات درجات وترقيات
الجامعة التى تبدو لنا أستاذا وتلاميذ ومحاضرات ومذكرات وكتب وبحوث وامتحانات ورسائل علمية، لها وجه آخر (إداري) يتعلق بترتيبات وظيفية، منها ما يرتبط بالمعيد والمدرس والأستاذ المساعد والأستاذ والأستاذ المتفرغ، وغير ذلك، والوصول إلى هذه الدرجات يتطلب عنصري الزمن والإنجاز، فيما يسمى بالترقية.
نصر حامد أبو زيد وبحوث الترقية
فى البداية وجب القول إن معظم الناس فى الشارع لا يعرفون شيئا عن الترقيات فى الجامعات، ولا يسمعون بذلك إلا عند حدوث أزمة أو وقوع مشكلة، ولعلنا نتذكر ما حدث مع الدكتور نصر حامد أبو زيد وأزمته التى تفجرت بسبب لجنة الترقيات التى اعترضت على أفكار الدكتور نصر وحاكمته فكريا ودينيا.
والذي حدث أنه فى سنة 1993 تقدم الدكتور نصر حامد أبو زيد بعدد من البحوث للحصول على درجة الأستاذية فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، لكن اللجنة التى كان يرأسها الدكتور عبد الصبور شاهين كتبت فى تقريرها ما ألحق الضرر بالدكتور نصر حامد أبو زيد، وما أثار الكلام حول دينه وتدينه، وتحول الأمر إلى قضية رأى عام، نعرفها جميعا ونعرف مجرياتها.
الترقيات.. عملية سهلة أم معقدة؟
وفى هذه الآونة تبادل الناس كلمة (ترقية) وبالتالى صرنا نسمع عن (بحوث ترقيات)، لكن على العموم هذه الجملة غير منتشرة إلا بين الأكاديميين ومن فى دائرتهم. وفى الحقيقة فإن الأمر أكثر تعقيدا مما يبدو، لكن لو تحركنا من سؤال: كيف يصبح الأستاذ الجامعى أستاذا؟..سنجد معانى كثيرة خلف هذا السؤال منها ما يتعلق بالقدرة على التأثير، وترك بصمة خاصة، ومنها ما يتعلق بالإداريات، وهو الأمر الذى يذهب البعض إلى أنه لا يمر كما ينبغى وربما تحدث فيه بعض التجاوزات، رغم التطوير الكبير الذي لحق به.
قواعد جديدة.. درجة الاقتباس
لو اطلعنا على القواعد الجديدة اللازمة كى يحصل الأستاذ المساعد على درجة الأستاذية سنجد عدة نقاط منها (تقرير من اللجنة العلمية بالموافقة على ترقيته، الحصول على عدد 6 دورات تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس، موافقة مجلسى القسم والكلية، ألا تقل المدة من تعيينه أستاذا مساعدا إلى أستاذ عن خمس سنوات، ألا يكون محالا لمجلس تأديب أو تحقيق.
ماذا عن تقرير اللجنة العلمية؟
يروق لنا التوقف عند "تقرير اللجنة العلمية" لأن في رأيي ذلك هو الفيصل الحقيقي، وفى اللوائح الجديدة التى تعتمد عليها لجان الترقيات هناك ما يسمى الاقتباس، أو لو شئنا الدقة درجة الاقتباس، وهى بالتحديد 15% أى لا تزيد نسبة الاقتباس فى البحث مهما كان عن هذه النسبة .
وفيما يتعلق بعمليات الاقتباس فإن هناك برامج تابعة للمكتبة الرقمية تقوم بكشف النسبة، وذلك قبل تسليم الأبحاث إلى لجنة الفحص، ولكن المشكلة أن هذه البرامج لا تستطيع اكتشاف كل حالات السرقة، بالتالى فإن هذا الاكتشاف يعول فيه على أساتذة لجنة الفحص وعلى وعيها ومعرفتها، وقد يخضع ذلك فى أحيان كثيرة برغبة اللجنة أو غير ذلك، لذا يجب على اللجنة ألا تكتفى بالتقييم العلمى فقط بل يجب النظر بطريقة مكتملة إلى الباحث.
ليس الجميع بخير
إن المجتمع الأكاديمى مثل أي مجتمع به الحقيقيون وبه من هم دون ذلك، أولئك الذين يحاولون الترقى بأي طريقة، فيستغلون الثغرات ومنها تجاوز القواعد أو خداع البرامج، خاصة أن البرامج تكشف البنية فقط ولا تكشف الأفكار، لذا يجب تطوير البرامج بما يجعلها تكشف سرقة الأفكار، ويتم ذلك عن طريق كلمات مفتاحية معينة وأفكار واضحة وما يمكن أن نطلق عليه (الحقول المتشابهة).
وهنا وجب القول أن القواعد منذ عام 2016 تحسنت وأصبحت هناك تعديلات مهمة، وهناك رغبات حقيقية في التعديل، لكن لا يزال بالبعض لا يخضعون للقواعد، وقد يتجاوزونها بطرق شتى.
حلول فى الأكاديمية.. البحث عن المنافسة
الحل حسبما ذكر لى أستاذ جامعي مشغول بعملية التطوير للمؤسسة يتمثل فى صنع درجة من المنافسة بين العاملين فى الجامعات عن طريق فتح باب التعاقد المؤقت لأن ذلك سوف يقضى على ظاهرة "الموظف" واقترح أن تكون فترة التعاقد 5 سنوات مثلا ومن بعدها يخضع الأستاذ ومن هم دون ذلك للتقييم الحقيقي والفعلى.
لقد تحدثنا فى هذا الموضوع لأنه مهم، ولأن أستاذ الجامعة "قيمة مقدرة" ولأن المجتمعات المتقدمة هي التى تملك بحثا علميا ملحوظا، ومصر تستحق ذلك.