يعتبر نور الدين زنكى من أشهر القادة فى التاريخ الإسلامى، وقد حكم حلب بعد وفاة والده عماد الدين زنكى، ووسع إمارته بشكل تدريجى، كما حارب الصليبيين حيث خاض أمامهم عدة معارك منها معركة حارم التى وقعت فى 22 رمضان سنة 559 هجرية الموافق 12 أغسطس سنة 1164 ميلادية بين جيش نور الدين زنكى من جهة وتحالف إمارة أنطاكية والإمبراطورية البيزنطية والأرمن، وحقق فيها نور الدين زنكى انتصارًا ساحقًا، وأسر معظم قادة التحالف الصليبى.
وجاء فى كتاب "الكامل فى التاريخ" لابن الأثير: "فى هذه السنة، فى شهر رمضان، فتح نور الدين محمود بن زنكى قلعة حارم من الفرنج، وسبب ذلك أن نور الدين لما عاد منهزماً من البقيعة، تحت حصن الأكراد، فرق الأموال والسلاح، وغير ذلك من الآلات، فَعاد العسكر كأنهم لم يصابوا وأخذوا فى الاستعداد للجهاد والأخذ بثأره".
وأثناء سيره للمعركة كان نور الدين يلعب لعبة سياسية كبيرة، فالثمرة الناضجة التى ستقلب موازين القوى تماماً فى تلك الحرب هى الدولة الفاطمية فى مصر، ولو استطاع جيش مملكة بيت المقدس هزيمة أسد الدين شيركوه ودخل القاهرة لكانت هزيمةً أشد وقعاً على كل المسلمين، فوقوع مصر تحت السيطرة الصليبية معناها طول مدة الاحتلال الصليبى فى المشرق الإسلامى.
وفى المعركة استدرج الجيش المسلم سلاح الفرسان الصليبى، فهجم جيش الفرسان على ميمنة الجيش المسلم، تقهقرت الميمنة سريعاً فظن الفرسان أنهم يحققون نصراً سريعاً، لكن الجيش المسلم التف على سلاح الفرسان وفرقهم عن بقية جيشهم من المشاة، فكثر القتل فى جيش الصليبيين حتى توقف المسلمون عن القتل وبدؤوا فى الأسر.
يقول ابن الأثير "أسروا ما لا يحد، وفى جملة الأسرى صاحب أنطاكية والقمص صاحب طرابلس، وكان شيطان الفرنج، وأشدهم شكيمة على المسلمين، والدوك مقدم الروم، وابن جوسلين، وكانت عدة القتلى تزيد على عشرة آلاف قتيل".
وقد انتهت المعركة بهزيمة ثلاث ممالك صليبية على يد نور الدين محمود، وقد أخذ نور الدين حارم وما حولها من قلاع وحصون، ودخل ميناء وقلعة بانياس الاستراتيجية أيضاً.