لم يمكث الخليفة موسى الهادى فى الحكم كثيرًا، فقد تولى الخلافة فى سنة 169 هجرية، ومات فى سنة 170، فكيف كان حالة ولماذا اختلف مع أخيه هارون الرشيد، وهل قتلته والدته بالسم، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "ثم دخلت سنة سبعين ومائة من الهجرة النبوية"
وفيها: عزم الهادى على خلع أخيه هارون الرشيد من الخلافة وولاية العهد لابنه جعفر بن الهادى، فانقاد هارون لذلك، ولم يظهر منازعة بل أجاب، واستدعى الهادى جماعة من الأمراء فأجابوه إلى ذلك، وأبت ذلك أمهما الخيزران، وكانت تميل إلى ابنها هارون أكثر من موسى، وكان الهادى قد منعها من التصرف فى شيء من المملكة لذلك، بعدما كانت قد استحوذت عليه فى أول ولايته، وانقلبت الدول إلى بابها والأمراء إلى جانبها.
فحلف الهادى لئن عاد أمير إلى بابها ليضربن عنقه ولا يقبل منه شفاعة، فامتنعت من الكلام فى ذلك، وحلفت لا تكلمه أبدا، وانتقلت عنه إلى منزل آخر.
وألح هو على أخيه هارون فى الخلع وبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك - وكان من أكابر الأمراء الذين هم فى صف الرشيد - فقال له: ماذا ترى فيما أريد من خلع هارون وتولية ابنى جعفر؟
فقال له خالد: إنى أخشى أن تهون الأيمان على الناس، ولكن المصلحة تقتضى أن تجعل جعفرا ولى العهد من بعد هارون، وأيضا فإنى أخشى أن لا يجيب أكثر الناس إلى البيعة لجعفر، لأنه دون البلوغ، فيتفاقم الأمر ويختلف الناس.
فأطرق مليا - وكان ذلك ليلا - ثم أمر بسجنه ثم أطلقه.
وجاء يوما إليه أخوه هارون الرشيد فجلس عن يمنيه بعيدا، فجعل الهادى ينظر إليه مليا ثم قال: يا هارون ! تطمع أن تكون وليا للعهد حقا؟
فقال: إى والله، ولئن كان ذلك لأصلن من قطعت، ولأنصفن من ظلمت، ولأزوجن بنيك من بناتي.
فقال: ذاك الظن بك.
فقام إليه هارون ليقبل يده فحلف الهادى ليجلس معه على السرير فجلس معه، ثم أمر له بألف ألف دينار، وأن يدخل الخزائن فيأخذ منها ما أراد، وإذا جاء الخراج دفع إليه نصفه.
ففعل ذلك كله ورضى الهادى عن الرشيد.
ثم سافر الهادى إلى حديثة الموصل بعد الصلح، ثم عاد منها فمات بعيساباذ ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول، وقيل: لآخر سنة سبعين ومائة، وله من العمر ثلاث وعشرون سنة، وكانت خلافته ستة أشهر وثلاثة وعشرون يوما.
وكان طويلا جميلا، أبيض، بشفته العليا تقلص.
وقد توفى هذه الليلة: خليفة وهو الهادي، وولى خليفة وهو الرشيد، وولد خليفة وهو المأمون بن الرشيد.
وقد قالت الخيزران أمهما فى أول الليل: إنه بلغنى أن يولد خليفة ويموت خليفة ويولى خليفة.
يقال: إنها سمعت ذلك من الأوزاعى قبل ذلك بمدة، وقد سرها ذلك جدا.
ويقال: إنها سمت ولدها الهادى خوفا منه على ابنها الرشيد، ولأنه كان قد أبعدها وأقصاها وقرب حظيته خالصة وأدناها، فالله أعلم.