وصف الرحالة المعروف ابن جبير في كتابه رحلة ابن جبير إحياء العشر الأواخر من شهر مضان في مكة المكرمة خلال عامى 578 و579 هجرية ومن ذلك تعليق الثريات في الحرم الشريف، وكذلك تنافس الصبية من أبناء مكة لختم القرآن وتصدى واحد منهم وهو ابن إمام الحرم لإمامة عموم الناس في ليلة وترية من ليالى العشر الأواخر .
يقول ابن جبير: "هذا الشهر المبارك قد ذكرنا اجتهاد المجاورين للحرم الشريف في قيامه وصلاة تراويحه وكثرة الأئمة فيه، وكل وتر من الليالي العشر الاواخر يختم فيها القرآن، فأولها ليلة احدى وعشرين، ختم فيها أحد أبناء أهل مكة، وحضر الختمة القاضي وجماعة من الأشياخ، فلما فرغوا منها قام الصبي فيهم خطيباً، ثم استدعاهم أبو الصبي المذكور منزله طعام وحلوى قد أعدهما واحتفل فيهما".
ويضف عن الليلة التالية من الليالى الوترية: "ثم بعد ذلك ليلة ثلاث وعشرين، وكان المختتم فيها أحد أبناء المكيين ذوي اليسار، غلاماً لم يبلغ سنه الخمس عشرة سنة، فاحتفل أبوه لهذه الليلة احتفالاً بديعاً، وذلك أنه أعد له ثريا مصنوعة من الشمع مغصنة، قد انتظمت أنواع الفواكه الرطبة واليابسة، وأعد لها شمعاً كثيراً، ووضع في وسط الحرم ممايلي باب بني شيبة شبيه المحراب المربع من أعواد مشرجبة، قد أقيم على قوائم أربع، وربطت في أعلاه عيدان نزلت منها قناديل وأسرجت في أعلاها مصابيح ومشاعيل وسمر دائر المحراب كله بمسامير حديدة الأطراف غرز فيها الشمع، فاستدار بالمحراب كله، وأوقدت الثريا المغصنة ذات الفواكه، وأمعن الاحتفال في هذا كله، ووضع بمقربة من المحراب منبر مجلل بكسوة مجزعة مختلفة الألوان".
ويتابع: "وحضر الإمام الطفل التراويح وختم، وقد انحشد أهل المسجد الحرام اليه رجالاً ونساءً، وهو في محرابه لا يكاد يبصر من كثرة شعاع الشمع المحدق بالعينين، مخضوب الكفين الزندين، فلم يستطع الخلوص منبره من كثرة الزحام، وقعد بين يديه قراء، فابتدروا القراءة على لسان واحد، فلما أكملوا عشراً من القرآن، قام الخطيب فصدع بخطبة تحرك لها أكثر النفوس من جهة الترجيع لا من جهة التذكير والتخشيع، وبين يديه في درجات المنبر نفر يمسكون أتوار الشمع في ايديهم ويرفعون أصواتهم بيارب، عند كل فصل من فصول الخطبة يكررون ذلك، والقراء يبتدرون القراءة في أثناء ذلك، فيسكت الخطيب أن يفرغوا ثم يعود للخطبة".