فى حلقة جديدة من برنامج "اللى ما تعرفوش" الذى يعده ويقدمه الزميل بلال رمضان عن شخصية هارون الرشيد المثيرة للجدل، والتى قالوا عنها زاهد يحسده الزهاد، وفاجر يحسده الفجار، وقالوا عنه أيضا: يقرأ القرآن فيبكى من شدة التأثر، وفى الزندقة فقد بلغ قمة التطرف.
هارون الرشيد، هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدي، الخليفة العباسي الخامس، ولد في مدينة الري عام 149 هـ و766 ميلادية، وتوفي في مدينة طوس عام 193 هـ و809 ميلادية، وقد بويع بالخلافة بعد وفاة أخوه موسى الهادي عام 170 هـ، وحينها كان عمره 22 سنة.
المعروف عن هارون الرشيد، أنه إذا ما ذكر اللهو ومجالس الأنس ذكر اسمه، وفقا لما تقوله كتب التراث الأدبي، التى وصفته بالخليفة الغارق في شهواته، وعلى رأس هذه الكتب كتاب "الأغاني" لـ أبي الفرج الأصفهانى، وكتاب "ألف ليلة وليلة" لكن الباحثين والدارسين أكدوا أن هذه الكتب إنما كتبت فى الأساس بهدف التسلية، وأن أغلب الحكايات الواردة فيها كذب مختلق.
ما يؤكد هذا الرأى هو أن حقيقة هارون الرشيد على العكس تماما من الكذب المختلق المنتشر عنه، فما لا يعرفه غالبية البعض عنه أنه يعد من أعظم خلفاء بني العباس، وأنه كان معرفا بشدة التقوى والورع والخوف من الله، لدرجة أنه كان يحج عامًا ويغزو في سبيل الله عامًا.
فى كتاب "تاريخ بغداد" لمؤلفه الخطيب البغدادي، يقول عن هارون الرشيد: "كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، وكان يتصدق في كل يوم من ماله بألف درهم"، بينما يقول الإمام الذهبي أنه فى سنة 179 هجرية حينما اعتمر هارون الرشيد في شهر رمضان ظل على إحرامه إلى أن حج ومشى حتى وصل إلى عرفات.
وفى كتاب فضائح الباطنية لمؤلفه أبو حامد الغزالى يقول: حُكي عن إبراهيم بن عبد الله الخراساني أنه قال حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسرٌ حافٍ على الحصباء رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العواد إلى الذنب وأنت العوّاد إلى المغفرة.. اغفر لي".
وفى كتاب تاريخ الخلفاء قال الإمام السيوطي إن هارون الرشيد كان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام وكثير الغزو والحج فحج تسع مرات وكان إذا حج، حج معه الفقهاء وأبناؤهم وجمع كبير، أما ابن الجوزى فقال إن هارون الرشيد كان كثير البكاء من خشية الله وسريع الدمعة عند الذكر ومحبا للمواعظ.
ورغم ذلك ستظل شخصية هارون الرشيد محل خلاف وجدل بسبب الحكايات المكذوبة التى انتشرت عنه، والتى من أسبابها الرئيسية بشكل كبير، هى الظروف السياسية التى كانت فى عهده، لكن التاريخ لا يخفى إنجازاته الكثيرة، والتى من أبرزها أنه أنشأ ما يعرف ببيت الحكمة في بغداد، وزوده بأعداد كبيرة من الكتب من مختلف أنحاء العالم، وفى عهده تمت أول ترجمة إلى العربية لأشهر كتاب علمي وهو كتاب الأصول أو "الأركان" في الهندسة والعدد لإقليدس، وفى عهده أيضا تطورت العلوم وتحديدا الفيزياء الفلكية وابتكرت اختراعات كثيرة مثل الساعة المائية، وأنشئ أول مصنع للورق فى بغداد سنة 795 وأصبحت بغداد في زمنه قبلة طلاب العلم من كل مكان.