ذكر الجاحظ في كتاب البخلاء أخبار بخلاء العرب في قصص لا تخلو من طرافة، وقد وقع بعض هذه القصص في شهر رمضان المعروف بالموائد العامرة فكان لهذه المناسبة نصيب من ذكر ما جرى من وقائع طريفة في الشهر الكريم.
ومن القصص التى أرودها الجاحظ قصة بلال بن أبي بردة والى البصرة حيث قال إن بلال بن أبي بردة والى البصرة كان قد خاف الجذام، وهو والي البصرة فوصفوا له الاستنقاع في السمن، فكان إذا فرغ من الجلوس فيه أمر ببيعه، فاجتنب الناس في تلك السنة أكل السمن، وكان يفطر الناس في شهر رمضان، فكانوا يجلسون حلقا، وتوضع لهم الموائد، فإذا أقام المؤذن نهض بلال الى الصلاة، ويستحي الآخرون، فإذا قاموا الى الصلاة جاء الخبّازون فرفعوا الطعام.
كما ذكر الجاحظ طرفة أخرى لواحد من بخلاء العرب وهو موسى بن جناح الذى دعا جيرانه للإفطار معه في رمضان لكنه صدهم عن الأكل في نفس الوقت فوضع لهم قواعد صارمة تمنع اقترابهم من الطعام حيث قال: دعا موسى بن جناح جماعة من جيرانه، ليفطروا عنده في شهر رمضان، وكنت فيهم. فلما صلّينا المغرب، ونجز ابن جناح، أقبل علينا ثم قال: لا تعجلوا فإن العجلة من الشيطان، وكيف لا تعجلون وقد قال الله جلّ ذكره: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا.
وقال:خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ، اسمعوا ما أقول، فإن فيما أقول حسن المؤاكلة، والبعد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة؛ إذا مدّ أحدكم يده إلى الماء فاستسقى، وقد أتيتم ببهطّة أو بجوذابة أو بعصيدة، أو ببعض ما يجري في الحلق ولا يساغ بالماء، ولا يحتاج فيه إلى مضغ، وهو طعام يد لا طعام يدين، وليست على أهل اليد منه مؤونة، وهو ممّا يذهب سريعا، فأمسكوا حتى يفرغ صاحبكم، فإنكم تجمعون عليه خصالا، منها: إنكم تنغصّون عليه تلك الشّربة، إذا علم أنه لا يفرغ إلا مع فراغكم، ومنها أنكم تحنقونه، ولا يجد بدّا من مكافأتكم، فلعلّه أن يتسرّع الى لقمة حارّة، فيموت، وأنتم ترونه، وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللقم، ولهذا ما قال الأعرابي حين قيل له: «لم تبدأ بأكل اللحم الذي فوق الثريد؟ قال: «لأن اللحم ظاعن والثريد مقيم» . وأنا وإن كان الطعام طعامي، فإني كذلك أفعل، فإذا رأيتم فعلي يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم.