وقعت معركة بلاط الشهداء فى رمضان من سنة 114 هجرية، وتعد واحدة من أشهر المعارك فى التاريخ، وذلك لما ترتب عليها من نتائج، وقد وقعت فى فرنسا، وكانت تعرف حينها ببلاد الغال.
فى هذه المعركة جمع عبد الرحمن الغافقى والى الأندلس جنده فى "بنبلونة" شمال الأندلس، وعبر بهم فى أوائل سنة 114 هجرية جبال ألبرت ودخل فرنسا واتجه إلى الجنوب إلى مدينة "آرال" الواقعة على نهر الرون، لامتناعها عن دفع الجزية وخروجها عن طاعته، ففتحها بعد معركة هائلة، ثم توجه غربا إلى دوقية أقطاينا "أكويتين"، وحقق عليها نصرا حاسما على ضفاف نهر الدوردونى واضطر الدوق "أودو" أن يتقهقر بقواته نحو الشمال تاركا عاصمته "بردال" (بوردو) ليدخلها المسلمون فاتحين، وأصبحت ولاية أكويتين فى قبضة المسلمين تماما.
ومضى الغافقى نحو نهر اللوار وتوجه إلى مدينة "تور" ثانية مدائن الدوقية، وفيها كنيسة "سان مارتان"، وكانت ذات شهرة فائقة آنذاك، فاقتحم المسلمون المدينة واستولوا عليها.
ولم يجد الدوق "أودو" بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورها فى يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته، وكان من قبل لا يعنى بتحركات المسلمين فى جنوب فرنسا، نظرا للخلاف الذى كان بينه وبين أودو دوق أقطانيا استعداد الفرنجة وجد شارل مارتل فى طلب نجدته فرصة لبسط نفوذه على أقطانيا التى كانت بيد غريمه، ووقف الفتح الإسلامى بعد أن بات يهدده، فتحرك على الفور ولم يدخر جهدًا فى الاستعداد، فبعث يستقدم الجند من كل مكان.
وبعد أن أتم شارل مارتل استعداده تحرك بجيشه حتى وصل إلى مروج نهر اللوار الجنوبية، وحين أراد الغافقى أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل استعداده فاجأه مارتل بقواته الجرارة التى تفوق جيش المسلمين فى الكثرة، فاضطر إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه وتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيش الغافقى.
وفى ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يعرف على وجه الدقة موقع الميدان الذى دارت فيه أحداث المعركة، وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعت على مقربة من طريق رومانى يصل بين بواتييه وشاتلرو فى مكان يبعد نحو عشرين كيلومترا من شمالى شرق بواتييه يسمّى بالبلاط، وهى كلمة تعنى فى الأندلس القصر أو الحصن الذى حوله حدائق، ولذا سميت المعركة فى المصادر العربية ببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى فى المصادر الأوربية معركة "تور- بواتييه".
وفى اليوم العاشر نشبت معركة هائلة، وأبدى كلا الفريقين منتهى الشجاعة والجلد والثبات، حتى بدأ الإعياء على الفرنجة ولاحت تباشير النصر للمسلمين، ولكن حدث أن اخترقت فرقة من فرسان العدو إلى خلف صفوف المسلمين، حيث معسكر الغنائم، فارتدت فرقة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة لرد الهجوم المباغت وحماية الغنائم، غير أن هذا أدى إلى خلل فى النظام، واضطراب صفوف المسلمين، واتساع فى الثغرة التى نفذ منها الفرنجة.
حاول الغافقى أن يعيد النظام ويمسك بزمام الأمور ويرد الحماس إلى نفوس جنده، لكن الموت لم يسعفه بعد أن أصابه سهم أودى بحياته فسقط شهيدا فى الميدان، فازدادت صفوف المسلمين اضطرابا وعم الذعر فى الجيش.
وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهزوا فرصة ظلام الليل وانسحبوا إلى سبتمانيا، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنيمة للعدو.