كان العصر العباسى مشهورا بحكايات الجوارى، خاصة فى عصر هارون الرشيد، ومن أشهر الجوارى "غادر وهيلانة" وكلتيهما ماتا فى سنة 173 هجرية، فما الذى يقوله التراث الإسلامي؟.
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "غادر":
جارية كانت لموسى الهادي، كان يحبها حبا شديدا جدا، وكانت تحسن الغناء جدا، فبينما هى يوما تغنيه إذ أخذته فكرة غيبته عنها وتغير لونه، فسأله بعض الحاضرين: ما هذا يا أمير المؤمنين؟
فقال: أخذتنى فكرة أنى أموت وأخى هارون يتولى الخلافة بعدى ويتزوج جاريتى هذه.
ففداه الحاضرون ودعوا له بطول العمر.
ثم استدعى أخاه هارون فأخبره بما وقع فعوذه الرشيد من ذلك، فاستحلفه الهادى بالأيمان المغلظة من الطلاق والعتاق والحج ماشيا حافيا أن لا يتزوجها، فحلف له واستحلف الجارية كذلك فحلفت له، فلم يكن إلا أقل من شهرين حتى مات، ثم خطبها الرشيد فقالت: كيف بالأيمان التى حلفناها أنا وأنت؟
فقال: إنى أكفر عنى وعنك.
فتزوجها وحظيت عنده جدا، حتى كانت تنام فى حجره فلا يتحرك خشية أن يزعجها.
فبينما هى ذات ليلة نائمة إذا انتبهت مذعورة تبكى فقال لها: ما شأنك؟
فقالت: يا أمير المؤمنين ! رأيت الهادى فى منامى هذا وهو يقول:
أخلفت عهدى بعد ما * جاورت سكان المقابر
ونسيتى وحنثت فى * أيمانك الكذب الفواجر
ونكحت غادرة أخى * صدق الذى سماك غادر
أمسيت فى أهل البلى * وعددت فى الموتى الغوابر
لا يهنك الألف الجدى * ـد ولا تدر عنك الدوائر
ولحقت بى قبل الصبا * ح وصرت حيث غدوت صائر
فقال لها الرشيد: أضغاث أحلام.
فقالت: كلا والله يا أمير المؤمنين، فكأنما كتبت هذه الأبيات فى قلبي.
ثم ما زالت ترتعد وتضطرب حتى ماتت قبل الصباح.
وفيها ماتت: هيلانة جارية الرشيد، وهو الذى سماها هيلانة لكثرة قولها: هى لانه.
قال الأصمعي: وكان لها محبا، وكانت قبله لخالد بن يحيى بن برمك، فدخل الرشيد يوما منزله قبل الخلافة فاعترضته فى طريقه وقالت: أما لنا منك نصيب؟
فقال: وكيف السبيل إلى ذلك؟
فقالت: استوهبنى من هذا الشيخ.
فاستوهبها من يحيى بن خالد فوهبها له وحظيت عنده، ومكثت عنده ثلاث سنين ثم توفيت فحزن عليها حزنا شديدا ورثاها وكان من قوله فيها:
قد قلت لما ضمنوك الثرى * وجالت الحسرة فى صدري
أذهب فلاق الله لا سرنى * بعدك شيء آخر الدهر
وقال العباس بن الأحنف فى موتها:
يا من تباشرت القبور بموتها * قصد الزمان مساءتى فرماك
أبغى الأنيس فما أرى لى مؤنسا * إلا التردد حيث كنت أراك
قال: فأمر له الرشيد بأربعين ألفا، لكل بيت عشرة آلاف، فالله أعلم.