جوستاف فلوبير حين أحيل مع كل من ناشر روايته مدام بوفارى التى نشرت للمرة الأولى فى حلقات بمجلة ريفيو دى بارى ومدير المطبعة، إلى محكمة جنح باريس-الدائرة السادسة، واستمرت جلساتها من 31 كانون الثانى إلى 7 فبراير 1857، وما تزال، تعد من بين أشهر المحاكمات الأدبية فى العالم.
ولقد نشرت رواية "مدام بوفاري" لـ جوستاف فلوبير مسلسلة فى مجلة "دورية باريس" فيما بين أول أكتوبر و15 ديسمبر 1856. وأدى نشرها إلى إحداث ثورة عارمة فى الأوساط البرجوازية الحاكمة انتهت بتقديم فلوبير مع ناشر الدورية ومديرها بصفتهما شركاء فى الجريمة إلى المحاكمة بتهمة خدش الحياء العام وانتهاك المقدسات.
لقد بدأ المدعى العام بعرض التهم الموجهة لـ فلوبير وهي:
أولاً: الإساءة إلى الآداب العامة من خلال المشاهد "الشهوانية".
ثانياً: إهانة الدين من خلال خلط صور اللذة بالأشياء المقدّسة، وقد انتهى إلى نتيجة مؤداها أنّ الشهوانية هى اللون الغالب على الرواية، وأنها أيضاً الخط الأساسى للكاتب.
وأورد أمثلة من الرواية لتأكيد الاتهام. منها على سبيل المثال وصف الكاتب لطفولة "إيما بوفارى" فى المدرسة الداخلية بالدير عندما كانت تتعمد اختلاق خطايا صغيرة لتبقى أطول فترة ممكنة تستمع إلى همسات القسيس. كما كانت الإشارات فى الصلوات إلى المسيح بوصفه "العشيق السماوي" والارتباط به فى "زواج أبدي" تثير داخلها ارتعاشه أقرب إلى اللّذة منها إلى التعبّد. ودلّل المدعى العام على نوايا فلوبير غير الأخلاقية من خلال وصفه لـ "إيما": إذ أخذ عليه أنه لم يتطرق لنواحى الذكاء فى الشخصية ولم يتوقّف حتى عند ملامح الجمال الجسدي، بل أفاض فى وصف "أوضاعها الحسية" مؤكداً بذلك أن جمالها من النوع "المثير للغرائز"، وذهب الكاتب أبعد من ذلك، فى رأى المدعى العام عندما وصف بطلته بعد سقطتها الأولى عل درب الخيانة الزوجية عل النحو التالي:
"لم تكن مدام بوفارى أبداً فى مثل جمالها الآن- كانت تتمتع بهذا الجمال الذى تضفيه البهجة والحماس والنجاح (...) وظلت تردّد وهى تنظر إلى نفسها فى المرآة: لقد صار لى عشيق، عشيق!".
إلا أنه فى النهاية تمت تبرئة فلوبير ولافور دو باريس، ونُشرت "مدام بوفارى" كرواية من جزئين. كان لصدى نجاح الرواية بعد إصدارها أشكال عديدة، فى المسرح والسينما، فتم استعراض الرواية فى فيلم يحمل اسمها "مدام بوفارى"، للمخرج كلود شابرول، عام 1991، كما تم اقتباس الرواية فى فيلم آخر للمخرجة الفرنسية صوفى بارت عام 2014. يشار إلى أن مدير المسرح الوطنى فى لشبونة تياجو رودريجيزن، اقتبس وقائع محاكمة "فلوبير" وقدمها فى مسرحية.