التاريخ المملوكى كان حافلا بالعجائب منها المضحك والمبكى، ومن ذلك ما ذكره الكاتب الراحل صلاح عيسى فى كتابه "هوامش المقريزى.. حكايات من مصر" تحت عنوان "ضحك كالبكاء".
يقول الكتاب: فى العصر المملوكى وقعت مصر فريسة فى براثن مجموعة من المرتزقة والحمقى والمجانين، ومن الظواهر التى انتشرت فى ذلك العصر جنون السلاطين التى تبدو لمن يتابعها ويقرأ قصصها في مصادر تاريخ العصر المملوكي وكأنها ظاهرة طبيعية ورد فعل عادي لقسوه قلوبهم ودموية سلوكهم وأساليب حكمهم، التي كانت تزيد من توحشهم وتذهب في النهايه بعقولهم، وكان الشعب يدفع الثمن سواء كان السلطان عاقلا أو مجنونا، ففي الحالتين تزداد قسوته وتتفجر دمويته غير أنها في حالات الجنون كانت تبدو نوعا من الكوميديا السوداء.
وعندما مرض الملك الأشرف برسباى وطال به المرض وحصل له "مالاخوليا" وخفة عقل ونزق فأمر بنفي الكلاب إلى الجيزة وانشغلت مصر كلها بالقبض على الكلاب وطردها إلى الجيزة، وكان كل من ينفي كلبا يتقاضى بعض القروش مقابل عمله هذا ثم أمر السلطان بالمناداة بأن لا تخرج امرأة من بيتها مطلقا فكانت الغاسلة إذا أرادت التوجه إلى ميتة تأخذ ورقة من المحتسب وتجعلها في رأسها حتى تمشي في السوق وبعد أيام أمر السلطان بالمناداة من جديد بأن لا يرتدي أي فلاح غطاء للرأس سواء كان كبير المقام أم لم يكن.
ثم تصاعد جنون السلطان وازدادت تصرفاته طيشا فتحولت من نوادر مضحكة إلى مآس مفجعة، فقد خطر له أن يخلص مصر من الأطباء، فأصدر أمرا بقتل كل الأطباء، وبدأ فأمر السياف أن يطيح برأس اثنين من أطبائه الخصوصيين ودار السيف بعدها في رؤوس أهل الطب واستمر السلطان يصدر كل يوم أمرا مضحكا أو مبكيا وينقضه بعد قليل والمصريون يضحكون قليلا ويبكون قليلا ويصبرون دائما.