انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسماؤهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسماءهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية حسين رشدى.
ولد حسين رشدى لإحدى العائلات التركية عام 1863 فى عهد الخديو إسماعيل وكان والده محمود حمدى باشا طبوزاده محافظ القاهرة ووكيل نظارة الداخلية ومن ثم ينتمى إلى "الذوات" من كبار ملاك الأراضى الزراعية، غير أنه يمثل الجيل المتمصر منهم وتعلم بالقاهرة ثم فى المعاهد السويسرية ثم حصل على إجازة الحقوق من جامعة السربون بفرنسا عام 1892 وعاد إلى مصر.
التحق حسين رشدى بقلم قضايا نظارة المالية، ثم أصبح مفتشًا للغات الأجنبية بنظارة المعارف لمدة ست سنوات، عين بعدها قاضيًا بالمحاكم المختلطة، حيث مكث بتلك الوظيفة نحو سبع سنوات، ونقل إلى المحاكم الأهلية بوظيفة مستشار بمحكمة الاستئناف، ثم أصبح مديرًا لديوان الأوقاف.
اختير رشدى ناظرًا للحقانية عام 1908م، ثم تولى نظارة الخارجية عام 1910م، ثم ناظرًا للحقانية مرة ثانية حتى عام 1914م، كما تولى رشدى رئاسة مجلس النظار للمرة الأولى من 5 أبريل 1914م، حتى إعلان الحماية البريطانية على مصر، وخلع الخديو عباس حلمى الثانى وتولية الأمير حسين كامل باشا عرش مصر بلقب سلطان فى 19 ديسمبر 1914م، وبهذا الإعلان انتهت نظارة رشدى باشا، كما انتهت مرحلة النظارات المصرية، لتبدأ مرحلة جديدة هى مرحلة الوزراء بدلا من النظار.
ثم شكل الوزارة للمرة الثانية من 19 ديسمبر 1914 حتى وفاة السلطان حسين كامل فى 9 أكتوبر 1917م، وعندما تولى العرش السطان أحمد فؤاد الأول العرش عهد إلى حسين رشدى بتشكيل الوزارة، لتكون وزارته الثالثة "10 أكتوبر 1917- 9 أبريل 1919م"، ثم شكل رشدى وزارته الرابعة "9 – 22 أبريل 1919م"، حيث قدم رشدى استقالته للسلطان أحمد فؤاد، والتى كانت بمثابة مقدمة لثورة 1919.
وقع على عاتق رشدى اتخاذ القرارات التى أملاها الإنجليز تمهيدًا للحماية، وإن كان حريصا على أن يسجل دائمًا أن تلك القرارات تعبير عن إدارة الإنجليز وأنه وزملاءه يستمدون سلطتهم من الخديو الغائب، وأنهم مستمرون فى القيام بأعباء وظائفهم تجنبا للمضار التى تلحق بالبلاد إذا تعطلت حركة إدارتها الداخلية واستمر فى منصبه عندما خلع عباس حلمى الثانى، وعين حسين كامل سلطانًا بقرار من وزير الخارجية البريطانى، وبرر رشدى موقفه بالتعاون مع سلطات الحماية مؤكدًا فى خطاب قبول رئاسة الوزارة الذى وجهه للسلطان أنه مصرى قبل كل شيء "وبصفتى مصريًا قد رأيت من المفروض على أن أجتهد فى أن أكون نافعًا لبلادي".
والطريقة التى تصرف بها حسين رشدى عند نهاية الحرب توحى بأنه لا يقل عن غيره من ساسة مصر كفاءة، فقد لعب دورًا مهمًا فى حسم الخلاف حول تشكيل الوفد المصرى وفى توحيد الصفوف ورئاسة سعد زغلول لذلك الوفد ولعل ثقافته القانونية وكذلك ثقافة سعد هى التى أملت فكرة التوكيلات، فلعب حسين رشدى دورًا مهمًا فى إنجاح عملية جمع التوكيلات بفضل موقعه فى رئاسة الوزارة رغم سيطرة الإنجليز على أجهزة وزارة الداخلية حتى يسمحوا للوفد بالسفر ولا ريب أن السلطان أحمد فؤاد كان يساند رشدى فى موقفه على الأقل فى المراحل الأولى.