تمر اليوم الذكرى 149 على رحيل رفاعة الطهطاوي، أحد رواد النهضة المصرية، إذ رحل في 27 مايو عام 1873م، وهو من قادة النهضة العلمية في مصر في عهد محمد علي باشا، وهو ابن مدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج، ويتصل نسبه بالحسين السبط.
يبدأ المنعطفُ الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوي مع سفره خارج مصر لأول مرة سنة 1242هـ /1826م إلى فرنسا ضمن بعثة عددها أربعين طالبًا أرسلها محمد علي على متن السفينة الحربية الفرنسية في 13 أبريل 1826 لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، وكان عمره حينها 24 عامًا.
وبحسب كتاب " رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي" تأليف جمال الدين الشيال، أنه في رمضان سنة 1241هـ غادر رفاعة الإسكندرية مرتحلا إِلى فرنسا، وفي رمضان سنة 1246هـ غادر باريس عائدًا إلى مصر، خمس سنوات كاملة تغير فيها الشيخ عقلا وعلما، وتفكيرا وآمالا، لكنه لم يتغير، بل لم يتأثر دينا وأخلاقا، يقول علي مبارك: "ولم تؤثر إقامته بباريس أدنى تأثير في عقائده، ولا في أخلاقه وعوائده".
وفي الإسكندرية قابل إبراهيم باشا، فرحب به لأنه سمع عنه ثناءً جمًّا أثناء زيارته لباريس، ولأنه كان يعرف أسرته في طهطا معرفةً وثيقة، وفي ختام المقابلة وعده إبراهيم باشا "بدوام الالتفات إليه"، وأنعم عليه بستَّةٍ وثلاثين فدانًا في الخانقاه، فكانت أول مكافأة مادية نالها رِفاعة على جده واجتهاده، وأول الغيث قطرة.
وسافر إلى القاهرة، وحظِي بمقابلة محمد علي باشا، وكان محمد علي قد عرَفه معرفة أكيدة من تقارير مسيو "جومار" الكثيرة عنه، وكلها مدح وتقريظ لجهوده وتقدير لعمله. وفي هذه المقابلة لقي رفاعة منه كل عطف وتشجيع "ورأى من ميله إليه ما حمله على الثقة بنجاح البدء والنهاية" وصدر أمره العالي بتعيينه مُترجمًا بمدرسة الطب، فكان أول مصري يعين مترجما بهذه المدرسة، فقد كانت هيئة المترجِمين جميعا حتى ذلك الوقت من السوريين، لهذا لم يلبث رِفاعة أن تفوق عليهم في عمله، فهو يتقن اللغة العربية إتقانًا لا يدانيه فيه أحد من هؤلاء المترجمين السوريين وهو يجيد الفرنسية مثلما يجيدونها، وترجمته في النهاية صحيحة سليمة لا تحتاج إلى مراجعة أو تصحيح شيخٍ من شيوخ الأزهر المحررين بالمدرسة.