قدمت الكاتبة إيمان العمرى فى روايتها "سفينة الأحلام" قصة حب بين فتاة تدعي غرام وشاب اسمه يوسف، وعلى الرغم من مراقبة كل من إله الخير حورس وإله الشر سوبك للسياق الدرامي، إلا أن قصة الحب بين الشابين تميزت بواقعية التفاصيل والمعاصرة.
وصدرت رواية "سفينة الأحلام" عن دار تويتة للنشر والتوزيع، وتدور أحداث القصة على باخرة تبحر بين الأقصر وأسوان لمدة أسبوعين، حيث يدعو رجل أعمال ثرى مجموعة من الأصدقاء إلى رحلة نيلية للاحتفال بعيد ميلاد زوجته، الممثلة الشابة الطموحة، ولكنه يلتقي زميله القديم في الجامعة، يوسف، ابن القبطان ومالك السفينة.
السفينة مكان بلا مكان
تدور الأحداث وسط خلافات القيم بين طبقات المجتمع المصري المعاصر على خلفية الصراع الأبدي بين الخير والشر، في مكان محصور وفي فترة زمنية محددة، ويبدو وأن هذا الاختيار للسفينة كموقع درامي قد تم اقتباسه من مفهوم، "الانتباذ الفضائي" أو "الهيتروتوبيا" كما عرفه ميشيل فوكو في كتابه "الأشياء والكلمات" والذي صدر في عام 1966.
بالنسبة لفوكو، القارب هو عبارة عن قطعة فضاء عائمة، مكان بدون مكان، يوجد بمفرده، مغلق ذاتيًا ولكنه يمتد إلى ما لانهائية البحر في الوقت نفسه، فنري أن العمري قد انتقت نماذج لمجتمع مصري معاصر مختلف الطبقات -ووضعتها على متن سفينة فاخرة ونسجت السياق حول مؤامرة بوليسية تتخللها قصة حب وقبلات حارة- تتفاعل فيها الشخصيات بحسب قيمها الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
فالكتابة تعمل كصحفية في مجلة حواء منذ ما يقرب من 30 عامًا منذ تخرجها من كلية الإعلام بجامعة القاهرة. وتعد دراسات الشخصية والقراءات الاجتماعية والاقتصادية جزءًا من العمل اليومي الروتيني لها.
ويظهر تأثر الكاتبة الشديد بالأدب البوليسي لكتابة القصص الانجليزية أجاثا كريستي عندما تكشف الرحلة عن المؤامرة والغموض، فلطالما كانت وسائل النقل بمثابة جزء صغير من مجتمع كريستي في ذلك الوقت أما في روايتها
Mystery of the Blue Train أو Murder of the Orient Express (1934) وبشكل أكثر أهمية هنا Death on the Nile حيث حدثت جريمة القتل في رحلة نيلية أيضًا، لكن في خضم المد والجزر، استولت غرام على قلب يوسف المكسور، غرام هي مسؤولة وسائل التواصل الاجتماعي الناجحة، ومن المؤكد أن رؤية الركاب يتنافسون على استئجار خدماتها عبر الإنترنت يمنح القصة نكهة معاصرة يتعرف عليها العديد من القراء.
تقاطع خطوط الصحافة والخيال
يظهر أسلوب السرد للكاتبة إيمان العمري تقاطعًا لخبراتها وأسلوب كتابتها في كل من الصحافة والرواية. يتجلى هذا الترابط في التفاصيل الواضحة الموصوفة في الرواية عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام القديم ووسائل التواصل الاجتماعي والمال والنفوذ. كما أنها تقدم الكثير من التفاصيل الداخلية حول المهنة، على سبيل المثال، ما إذا كان مسؤول وسائل التواصل الاجتماعي يمكنه الحصول على عمل إضافي مدفوع الأجر أثناء عقده مع العميل،
التأثير الصحفي واضح أيضًا في أسلوب كتابة العمري الاقتصادي والبسيط. فنجد إنها شديدة التقشف في الوصف الجسماني للشخصيات وكذلك في وصف الأحداث.
وتأثير الاسلوب الصحفي علي الكتابة الادبية ليس وليد العصر، فنجد انه ما يميز أسلوب إرنست همنغواي على سبيل المثال والذي كان أيضًا صحفيًا تحول إلى الكتابة الادبية وحصل على جائزة نوبل للآداب، إلا وأننا نجد أيضا أن سفينة الأحلام هي أيضًا المساحة الخاصة للمؤلفة حيث تكون خالية من قواعد الممارسة الصحفية والقيود اللغوية.
فنرى أن العمري تنوع بين سجلات اللغة العربية المختلفة وهو الشيء الغير مسموح به في النشر الصحفي. فنجدها تستخدم اللغة العربية العامية في حوارات شخصياتها و ولكنها احتفظت باللغة الكلاسيكية من أجل الوصف السردي للأحداث.
رومانسية المذكر والمؤنث
في رحلة النيل هذه، تطلق العمري العنان مخيلتها. على سبيل المثال، عندما تصف كيف شعرت غرام بقبلة يوسف على شفتيها. وتتابع أيضًا وصف كيف قضى يوسف ليلة بلا نوم بعد ذلك، وصف الكاتب لما يدور في عقل كل من شخصيتي البطل البطلة أثناء وقوعها في الحب هو أمر ساحر للغاية للقارئ ولكنه يمثل تحديًا كبيرا للمؤلف. ويتحتم على الاخير البرهنة على أن ما يدور في رأس الشخصيتين ليس مكررا وليس زائدا عن الحاجة وبل مختلفا فاستحق السرد. نجد ذلك على سبيل المثال عند الاستماع إلى المونولوجات التي دارت بين كل من غرام وقلبها وكل من يوسف وقلبه -كل علي حدة في غرفته بعد القبلة.